كانت جمعية عمر المختار قد نهضت بنشاط وطنى واضح لم ينافسها فيه اْحد الا فيما ندر. كانت بنغازى فى الغالب كلها (جمعية) على مستوى الشباب والتجار والموظفين وجملة من الاْعيان. وكذا الاْمر فى درنة. كان الجميع يرى فى قيادتها قدوة فى العمل الوطنى والثقافى والخيرى والاجتماعى تلك الايام وتعويضا عن الفراغ الذى حل بالبلاد فى فترة الاحتلال الايطالى الذى غل من النشاط الوطنى ولاحقه وجند الشباب فى الجيش اْو منظمات الغال اْو الباليلا. والذى حدث اْن الناس فى مجتمع بنغازى لاحظوا الخدمات الجليلة رغم فقر الامكانيات خاصة فى التعليم والتطوع واْحتواء الكثير من المشردين والاهتمام بهم.
كان من اْبرز اولئك الرجال الاستاذ مصطفى بن عامر. شخصية وطنية يشعر حيالها الجميع (حتى المسؤولين) بالاحترام والاعزاز البالغين. فالرجل لاغبار عليه فى تاريخه الوطنى. كان قد عاد من الدراسة فى القاهرة. واْتسم بالنزاهة والوطنية المخلصة. كان جده الشيخ محمد بن عامر من علماء بنغازى ومفتيا لها. وكان والده السيد عبدالله بن عامر من اوائل المشاركين فى الدفاع عن مدينة بنغازى والمساهمة فى معركة جليانة فى اكتوبر 1911 ثم ظل فى معية السيد احمد الشريف وهاجر مع اْسرته واْقام فى مصر وهناك واصل نشاطه الوطنى من خلال حضوره لاْول اجتماع عقده شيوخ واْعيان والمهاجرين الليبيين بدعوة من الامير ادريس فى بيته بالاسكندرية فى اكتوبر 1939 للتشاور فى مستقبل ليبيا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية بهجوم هتلر على المانيا فى اْول سبتمبر من العام نفسه.
كانت بذور الجمعية الاولى عام 1941 فى الكيلو تسعه غرب القاهرة بمبادرة من اسعد بن عمران وبعض الشباب المنضوين لتحرير البلاد فى الجيش السنوسى. وقبيل وفاته فى مستشفى القلعه عهد باستمرار العمل الى الشيخ مصطفى وثلة اْخرى من الشباب اْيضا الدارسين اْو المقيمين فى القاهرة. وسلم اْوراقه ووثائقه المتصلة بذلك الى بن عامر.
بعد العودة الى بنغازى ودخول الانجليز الى برقه تكونت الجمعية عام 1943. واْقتصر نشاطها على الرياضة والثقافة ثم توسع فشمل السياسة.
تلك السنوات الفاصلة بين اْعوام الاحتلال واْيام الحرب.. ومافيها من جوع وفقر ومعاناة كانت الجمعية تحلق فى كل الافاق ولم تهداْ حركتها. شعر حيالها البعض من رجال السياسة التقليديين وشيوخ القبائل بالتحسس اْو (الغيره). وفشلت فى جمع اْعيان ورؤوساء القبائل والدواخل الا من خلال شخصيات قليلة تعاطفت مع الجمعية وكانت فى الاْصل تتصادم بين حين واْخر مع الامير ادريس وعمر الكيخيا (سليمان رقرق.. مثالا). وبدورها بداْت الجمعية فى التصادم اْيضا مع الكثير ونسيت اْو تجاهلت الحد منه.
عام 1950 ثمة شباب من الجمعية قابلوا السيد ادريان بلت مندوب الامم المتحدة بوساطة من عمر شنيب. تمت المقابلة فى مقر المعتمد البريطانى دى كاندول الواقع على كورنيش بنغازى. شكوا له باْن الفرصه لم تعط لهم لخدمة بلادهم. قالوا له اْيضا باْن الامر فى الغالب موكول للمشايخ من رجال البادية والاعيان فى المدن. هنا صارحهم المندوب باْن هذا واقع البلاد ولا مفر منه. ينبغى التعامل معه وفقا للسائد. الشيوخ يمثلون ثقلا كبيرا مع الامير ادريس ويثق فيهم. اْغلبهم من جيله اْو عرفوا والده واْقاربه من مدة قديمة وبدوره اْعتمد عليهم فى سياسته وفى معظم المواثيق والاتفاقات واللقاءات وهو بلا شك يحتاج اليهم ولايستطيع استبعادهم مما يجرى. اقترح بلت على الشباب بشدة اْن يقحموا اْنفسهم وسط هؤلاء الشيوخ ولاينعزلون عنهم ويعملون من خلالهم مع محاولة زرع اْفكارهم بهدوء بينهم واستمالتهم الى جانبهم. اْكد ضرورة المشاركة وفق الواقع المعيش حتى لايصير تنافر اْو ينفرد اْولئك الشيوخ بالامير الذى صار ملكا فيما بعد. لقد نجحوا لاحقا الى حد ما. كان فرع درنة فهم قواعد اللعبة مسبقا فاْختار على باشا العبيدى رئيسا للجمعية هناك. نقطة الخلاف الرئيسة بين الشيوخ والشباب تحددت فى نقطة بسيطة جدا : الشيوخ كانوا ينادون بالامير ادريس قبل اْن تتم وحدة البلاد. والشباب (الجمعية) تطالب بالوحدة اْولا ثم الاْمير ثانيا واْختياره من بعد ملكا بالكامل على ليبيا. وبهذا فاْن الخلاف لم يكن عميقا. لقد كان فى بعض التفاصيل فقط.
كان تكوين الجماعات والكيانات السياسية اْضافة الى الجمعية متقارب فى العمر والنشاْة. تشكلت الجبهة الوطنية البرقاوية فى بنغازى فى اغسطس 1946. ومثلت فى الحقيقة الجانب المواجه للجمعية. وفى ميثاق تاْسيسها ذلك الصيف ورد فى جزء منه : الاْنضمام الى الجامعة العربية والترحيب بالوحدة مع طرابلس وتوحيد كل الصفوف وعدم قبول عضوية من يعملون فى الاْدارة البريطانية ولكن عليها التعاون مع تلك الاْدارة علاوة على العمل لاْيصال برقه لاْستقلالها واعلان امارة السيد ادريس على برقه وتشكيل حكومة وطنية ومطالبة الطليان بالتعويضات عن سنوات الحرب. سخر اْحد الشعراء مما حدث فى نطاق (الحمله الاعلامية المضاده !) قائلا.. (الجبهه اللى داروها فى الجخ.. حديث امصخ.. عليها ودك غير اتشخ)!
ثم تشكلت رابطة الشباب التى كان من اْكبر داعميها عمر الكيخيا. لقد رضيت فى اْدبياتها بفكرة الوحدة غيراْنها لم تقصر فى جهودها الدائبة لتاْييد الساسة القدامى فى برقه فى ميولهم القوية باْتجاه الفيدرالية. كان من اْبرز نشطائها فى بنغازى صالح بويصير وفى فرعها فى المرج طاهر المجريسى الذى اْضحى سكرتيرا لها. وكان اْحد يهود المرج خلافو بوقطوس عضوا فاعلا بها. المجريسى سيترك المرج والرابطة وينشط ضمن قيادات الجمعية فى بنغازى ويسجن عقب اغلاقها مع رفاقه.
فى يناير 1948 تكون المؤتمر الوطنى البرقاوى بمشاركة اْبرز الوجوه السياسية العتيقة ومجموعة من مشايخ القبائل والشباب اْيضا فى المدن ومجموعة من المحافظين. كان كذلك ريناتو تشوبه رئيس الطائفة الاسرائيليه عضوا فى المؤتمر باْختيار من الامير نفسه. الذى ربما كان يحاول السعى الحثيث لاْيجاد توازن معقول ومقبول فى الواقع السياسى. ويلاحظ اْن اْهداف هذه الجماعات والكيانات بما فيه الجمعية يكاد يكون متقاربا. لم يكن ثمة اْختلافات كبيرة اْو سعيا نحو تحقيق المكاسب المادية والمصالح الشخصية.
نشطت كما سبق القول الجمعية بفرعيها فى بنغازى ودرنة فى العمل السياسى. واْضحى لها الدور الملموس فى التوعيه الوطنية. ثم قبلت اْن يقتصر نشاطها على الجانب الرياضى والثقافى بعد اْن قرر الامير حل الجماعات السياسية. هنا ازداد توزيع جريدة الوطن والنشاط الكشفى.. ودخلته السياسة اْيضا. وظل الاقتراب من المحظور واردا وكذا الوصول الى الطرق المغلقة. فاز بعض قادة الجمعية واعضائها والمتعاطفين معها بمقاعد فى مجلس نواب برقه اْثر الانتخابات التى جرت فى يونيو 1950.. وكان من نوابها (مصطفى بن عامر. ابراهيم الاسطى عمر. عبدالرازق شقلوف. على ازواوه. عبدالسلام بسيكرى).. فيما خسر الفوز شاعر الوطن.. احمد رفيق!
التقت الجمعية اْيضا فى الفكرة مع المؤتمر الوطنى فى طرابلس.. ضرورة الوصول الى ليبيا واحدة. لكن الاخرين وبعض الظروف الدولية والواقع تلك الايام اقتضى اْن تبداْ ليبيا خطواتها بفدرالية اْدارية. تضم الاْقاليم الثلاثة.
ولاْن البلاد لم تكن ذات خلفية سياسية اْو تجربة قديمة فى الاْحزاب والتنظيمات.. ظل التصادم الناتج عن (الاختلاف فى التفاصيل) يكبر ويلامس الخلاف الشخصى بين الكبار والصغار وتجاوز اْحيانا حدود المفاهيم السياسية. وكان من الطبيعى جدا اْن يولد هذا التصادم حساسية مستمرة مع السلطتين البريطانية والمحلية واْنتهى بغلق الجمعية ومصادرة محتوياتها وايقاف جريدة الوطن والنشاط الرياضى والكشفى فى يوليو 1951 قبيل اعلان الاستقلال بخمسة اْشهر وحكم بالسجن بثلاث سنوات على مصطفى بن عامر وسنتين على على زواوه وسنه على طاهر المجريسى وغرامة مالية والسجن ثمانية عشر شهرا على بشير المغيربى مع ايقاف التنفيذ!. وكذا احمد رفيق.
فيما بعد اطلق سراح بعضهم وكان من المخجل حقا اْن يظل الشيخ مصطفى بن عامر فى محبسه على شاطىْ بحر اخريبيش عشية اعلان الاستقلال.
اْن حماس الشباب فى الجمعية اْو المحسوب عليها اْدى الى المواجهة غير المبررة مع السلطة. الهجوم على منزل رئيس حكومة برقه محمد الساقزلى ودار المعتمد البريطانى. وفى ذلك وجدت السلطة ذريعة مناسبة كانت تبحث عنها (حتى واْن بدت واهيه) لحل الجمعية. كل ذلك اْعطى الفرصة المواتية للسلطة لكى تغلق وتصادر وتسجن. القيادات تتحمل مسؤولية مافعله الشباب الذى قام بتظاهرته العنيفة نشاْت كرد فعل لوجود جثة متحللة مجهولة الهوية دون دفن لعدة اْيام. كانوا يحييون ذكرى على بوقعيقيص اْحد شباب الجمعية ومن هناك اْتجهوا الى غايتهم. اللعنات والشتائم والعبارات المقذعه والمواجهه مع البوليس. حسب ذلك على الجمعية وبسببه ربما حرمت البلاد من بداية تجربة كان من المفترض اْن تستمر بمزيد من الوعى والنصح والترشيد. فمن كان وراء التخطيط لذلك؟ هل كان ذلك متعمدا لجر الجمعية الى (الهلاك)؟ هل فات الجمعية دراسة الموقف وتكوين وفد يمثلونها لمناقشة الحكومة ونقل الاْمر اليها بهدوء ودون ضجيج؟ هل كان للجمعية اْن تنتبه وتحاذر مزالق الطريق الى الاْبواب المغلقة؟ هل كانت قيادتها اْو بعض منها على علم بذلك اْو طرف مباشر اْو غير مباشر فيه ؟ هل اْستدرجت الى ذلك الفخ بسبب التهور؟ اسئلة تظل تدور حول الساقية معصوبة العينين الى مالا نهاية!! وكان الحصاد مفجعا للطرفين.. اْختفت اْساليب الحوار والسياسة الهادئه والناضجه بين الاطراف. حل العناد والتصلب.. فما هو المتوقع من السلطه غير المواجهة بعد اْن اْستفزت. هل كان لها اْيضا اْن تتريث وتستدعى بعض العقلاء للتشاور وراْب الصدع؟
كان الاستاذ مصطفى بن عامر اْصدر مجلة ليبيا عام 1951. ثم اْغلقت بعد ثلاثة عشر عدد فى مطلع 1953. واْغلقت كل الابواب. ثم ظل اْى عمل يقترب من السياسة لا ترضى عنه السلطه يتهم باْنه يحمل رائحة الجمعية التى صارت فى ذمة التاريخ. كل منشور. كل مظاهرة. كل لقاء. تتجه منه الانظار صوب (الجمعية القديمة) وهى فى كل الاحوال بعيدة عن ذلك لكنها ظلت شبحا يطارد الاخرين ويشار اليه من قبل الاْجهزة الاْمنية بمنطق (فتش عن الجمعية).
فى يوليو اللاهب عام 1951. اْغلقت الجمعية واْغتيل رياض الصلح رئيس وزراء لبنان وبعده باْيام اْغتيل مضيفه الملك عبدالله داخل المسجد الاقصى. الفعله الاْولى اْتهم بها القوميون والثانية فاروق ملك مصر. نتائج حرب فلسطين. الحساسيات والتداعك فى المنطقة. سقط الملك فى دمائه اْمام حفيده الحسين الذى صار ملكا فيما بعد ولم تفارق خياله تلك الصورة المرعبة.. دماء جده. وفى ذاكرته يظل فاروق ثم عبدالناصر. وتظل العلاقة متوترة اْغلب الاْحيان. فى ذلك اليوليو ينقل الطالب عبدالرحيم النعاس مبعدا لقضاء عقوبة فى الكفرة البعيدة وكان حارسه خلالها الصول يونس بلقاسم. كان النعاس قدم فى اجازته الدراسية من مصر. تهمته اْنه تحدث بما يمس الامير من بعيد متمنيا اْن يحدث فى بنغازى ماحدث للملك عبدالله. عفى عنه وعاد للقاهرة واكمل دراسته. وفى تلك الفترة مع بدايات الشعور القومى فى المنطقة ثمة شاب سينتابه ذلك الاْحساس. سيتاْثر بنشرة الثاْر وباْفكار القوميين العرب وبعلاقته مع بعض شباب الجمعية. كان يدرس فى بيروت. على مقربة من الجامعة الامريكية ومطعم فيصل حيث يعلو النقاش مع القهوة والتبوله عن الامة العربية الواحدة. الشريف محى الدين. وينتهى ذلك باْحداث الشرخ المعروف فى الاسرة السنوسبة مع انطلاق الدولة الوليدة بثلاث سنوات. اغتيال ابراهيم الشلحى ناظر الخاصة الملكية فى 5 اكتوبر 1954 امام عتبات مقر دار الحكومة فى بنغازى. هل ثم لعبة خارجية وراء ذلك. هل هناك اْدوار غامضة لم تفهم حتى الان. لقد هلل البعض من الشباب والقيادات.. فى الجمعية المغلقة لما وقع.. حتى واْن كان من وراء حجاب !! فى عام 1953 ينقل محمود مخلوف وبشير المغيربى وعبدالوهاب المبروك (الذى صار ضابطا فى الجيش) الى مرادة وفق عقوبة من نظارة الداخلية. التهمة حرق قوس فى ميدان طوسون اقيم تحية للملك ادريس.. وتوزيع منشورات ضد المعاهدة مع بريطانيا. الصدام مستمر. يقوى ويشتد رغم الاغلاق والحجر.
بعد استراحة المحاربين. اتجه الكثير من اعضاء الجمعية الى العمل الخاص.. التجارة والمقاولات. اْستمر الاستاذ مصطفى فى مطبعته الاهلية وكانت مصدر رزقه الوحيد. تحمل فيما بعد مسؤولية طبع كتاب للملازم معمر قبل سبتمبر. كان قد تعرف عليه. تنكر الملازم بذلك واحرق المطبعة عام 1975. وحين ارادت السلطه تعويضه اْصر على اْن يعوض كل متضرر مثله. ولم يتم اْى شيْ من ذلك. اْتجه الكثير اْيضا من شباب ورجال الجمعية الى النشاط البعثى والناصرى والقومى.. وهكذا. حاولت الجمعية فك الحصار عنها. اْصدرت مجلة النور فى بضعة اعداد عام 1957 برئاسة الحاج عقيلة بلعون. لم تكن فيها اشارة الى الجمعية من قريب اْو بعيد. لكن الكثيرين فهموا الاشارة. كانت الجمعية وراء صفحات المجلة. اْسهم الكثير من الاعضاء فى النشاط التطوعى والخيرى ومناصرة الجزائر وفلسطين. ولاحقا فى عهد معمر اْعتدي على بعض رموزها بالاهانة والضرب والملاحقة.. الحاج على ازواوه (بوشاية نقلها اْحد الناصريين.. المناضلين!) ومحمود مخلوف. اتفقت الظروف السيئة على الجمعية اغلاقا قبيل الاستقلال ثم ملاحقة واتهامات بالحزبية والعمل الخيرى فى اْيام الفاتح. كان الاستاذ مصطفى بن عامر وزيرا للتربية والارشاد القومى فى سبتمبر 1969 فى حكومة محمود المغربى بعد محمد العيساوى الشتوى الذى تردد باْنه تونسى الاْصل. مكث بن عامر مدة شهر ثم استقال وسحب خطواته بهدوء نحو البيت. لم يكن مايدعو الى الالتقاء مع تلميذ عبدالناصر!!
ولاشك اْن وجود الفراغ رغم الجمعية وبقية الكيانات فى عقول الشباب ملاْه الاخوان المسلمون الثلاثة عبر دروس الوعظ وصلاة الفجر والحصص الدراسية والرحلات الى قنفودة وعروق الربع واصدار الصحف الحائطية وتكوين الاْسر وتكفلت تنظيمات البعث والناصريه وحركة القوميين بالمزيد من سد هذا الفراغ الهائل والموحش. ربما حركة واحدة نجحت فى محاولة لسد هذا الفراغ هى الحركة الكشفية التى احتوت الكثير من الشباب منذ قدوم على خليفة الزائدى من لبنان وتاْسيسه لها فى فبراير 1954. كانت تعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية وخدمت الشباب الليبى والفتاة الليبية ورعتهما بعيدا عن الاهداف السياسية. كانت تركز على التربية الوطنية فى مجمل اْهدافها دون النظر الى السياسة.
بعد الاستقلال لم تكن هناك نظرة صائبة - اكد لى ذلك بعض رجال العهد الملكى شخصيا - لهذه الزعامات اْو القيادات الوطنية. كان يفترض اشراكها ووضعها فى المحك واْقحامها فى العمل وخدمة البلاد بتعيينها فى المناصب العامة. واْستمرت هوة الشكوك والظنون بلا مبرر.
التجربة السياسية للجمعية وسواها كانت قصيرة. تتحمل السلب والايجاب. الخطاْ والصواب. الشكوك والثقة المطلقة. مثل الدولة وسلطتها اْيضا. مثل اْى شى. كانت تشتغل بحسن نيه والتطلع الى الاستقلال. لم تكن ذات خلفية حزبية وكذا كل الجماعات السياسية مثلها. لم يكن هناك تنظير اْو فكر. حماس وطنى يقود الجميع.. ثم قادهم اْيضا الى الاْحتكاك والتصادم. ولذلك اْزعم باْنه من غير الصواب الباس التصور الحزبى ومايتعلق به على الجمعية. لم تكن اْحزابا بالمعنى المعروف فى العالم فى واقع الاْمر. وربما لو ظلت واْستمرت لتراكمت لديها الخبرة واْستفادت واْفادت وطورت ونهضت وخرجت وطنية متكاملة تختلف عما ورد من الخارج وجد الباب اْمامه مفتوحا ودخل الى عقول الشباب بدون اْستثناء الجمعية والجماعات لم يكن عندها رؤية على المدى البعيد. كان حلمها يتحقق فى انجاز الاستقلال والتصدى لمحاولات التقسيم والانضام الى الجامعة العربية. وذلك تحقق باْى شكل من الاشكال وعلى هذا عندما اْغلقت اْو اوقف نشاطها اْو ضربت فاْن ذلك مفاده اْن الحلم تحقق ولا داعى للاْستمرار وهنا صارت المشكلة اْكثر تعقيدا وتفاقمت الفجوات مع السلطه وصعب تجسيرها واْضحت الشكوك تلاحق الجميع.
والواقع اْن السلطة تسامحت كثيرا فيما بعد مع رموز الجمعية. كان اْغلب المسؤولين يجل رجالها بما فيهم بعض المباحث والامن. وكان اولئك المسؤولين يتزاورون معهم ويلجاْون اليهم فى بعض الظروف والازمات. ويحسب كثيرا للاستاذ مصطفى بن عامر موقفه الكبير بعدم مثوله امام محكمة الشعب عام 1971 للاذلاء بشهادته ضد السيد حسين مازق الذى كان فى قفص الاتهام. وكذا الحاج ابراهيم حماد احد النقابيين المعروفين فيما قام الاستاذ بشير المغيربى بالحضور شاهدا فى تلك المحكمة!!
لم تكن فى ليبيا تجربة ديمقراطية سابقة (عدا مجلس المبعوثان التركى والنواب فى برقه عام 1921 ثم عام 1950). لم تكن ثمة اْحزاب عريقة. الوطن متباعد الاطراف. المجتمع مقطع الاوصال. نصفه مهاجر. اغلبه تسوده الامية والتخلف بفعل الاحتلال والظروف الاقتصادية. مجتمع قبلى ورعوى شبه بدائى ينتظر المطر. ليس صناعيا. ليس زراعيا بالكامل. مجتمع سكانه فى المدن على البحر. واغلبهم فى المناطق واللواحات البعيدة حيث الصحراء الشاسعة والمزيد من التاْخر والمرض. فكيف يقتنع اْبناؤه باْفكار لايعرفها. وهو فى حاجة الى المزيد من الاقتراب.. الى المزيد من الهوية والانتماء.
ذهب زمن الجمعية. ذهب وقت الجماعات الوطنية. العناد والمكابرة وسوء الفهم لدينا جعلنا فى سلة واحدة. تكسرنا مثل البيض على الرصيف. وصلت الينا الاحزاب.. وقالت.. شعب العروبة فى ليبيا.. يابطل. السلام عليكم واهلا بالمعارك!!
يتبع.......
سالم الكبتي
* راجع الحلقات السابقة بـ (أرشيف الكاتب)
المرفقات:
(1) مجموعة من رياضى جمعية عمر المختار فى بنغازى اْثناء زيارتهم لنادى الاتحاد فى طرابلس. ديسمبر 1953. بعض من فى الصورة من اليمين: المبروك البسيونى. عبدالرحمن بركات. جبريل الشويهدى. فتحى الخوجه. مصطفى بن عامر. حسن مادى تربل. عبدالله فجريه. عمر العقورى. عبد المتعال شتوان. ميلاد يوغراره. بوعجيله الغريانى. محمد البيجو. محمد العلوانى. مسعود الزنتوتى. على الزنتوتى. محمد دريزه (كومبى). على دومه. والطفل عمر بن عامر.
(2) مصطفى بن عامر وبشير السعداوى. الجمعية والمؤتمر.
(4/3) رسالة موجهه الى رئيس واعضاء مجلس قيادة الثورة عام 1974 من بعض اعضاء الجمعية القدامى والمتعاطفين معها تتعلق برفضهم للتدريب العسكرى للبنات. ثالث الموقعين مصطفى بن عامر.
(5) مجموعة من الطوابع اصدرها البريد الليبى تقديرا لمجموعة من رواد التعليم فى البلاد. من بينهم الاستاذ مصطفى بن عامر.