مقالات

هشام بن غلبون

سابع أكتوبر قبل 40 سنة... نقطة فارقة في حياتي (1 من 2)

أرشيف الكاتب
2021/10/06 على الساعة 06:55

ما يجمع هذه الخواطر المتفرقة أنها تتعلق بهذه المناسبة التي كانت نقطة فارقة في حياتي، حادت بي عن كل مخططاتي وتصوراتي لمستقبلي، وأدخلتني في تجربة لم تكن تخطر ببالي أبداً !!!

فبعد أن مارست النشاط المناوئ لنظام الانقلاب لعدة سنوات، بدوافع حماسية فطرية، وبطريقة عشوائية تنقصها الرؤية الواضحة للهدف المحدد من معارضة النظام، باستثناء التمرّد التلقائي على الاستبداد وقتما كنت طالباً في كلية الهندسة بجامعة طرابلس؛ واصلت العمل السري من داخل صفوف اتحاد الطلبة في الخارج (فرع المملكة المتحدة) الذي شاركت في تأسيسه بُعيد وصولي إلى مانشستر صيف سنة 1976... ثم تحوّلتُ -بين عشيةٍ وضحاها- إلى المعارضة العلنية كأحد مؤسسي تنظيم "الاتحاد الدستوري الليبي"؛ لألجُ بذلك عالَماً مختلفاً اختلافاً كليّاً عن التجربتين السابقتين، فيما يُشبه الانتقال من صفوف الهواة إلى صفوف المحترفين في عالم الرياضة إن جاز التعبير!!! فالعمل الوطني صار محدّدا بأهداف ثابتة واضحة، والمعارضة العلنية تعني أنه لم يعُد بالإمكان التراجع أو "تغيير الرأي"، وكان لذلك الموقف وللأهداف التي نادينا بها تبعاتٌ وعواقبٌ جسيمة، شكّلت خط سير حياتي على صعيد العلاقات الاجتماعية وكثير غيرها...

وبالعودة اليوم إلى مراجعة واستكشاف تلك التجربة وما كان ينادي به الاتحاد الدستوري يمكن ملاحظة البساطة التامة لذلك الطرح الذي قام على 3 عناصر رئيسية نابعة من رحِم موروث الشعب الليبي ومن صميم مكتسباته الوطنية الصرفة، هي: الدستور، الملك، العلم…

فقد نادى الاتحاد الدستوري بضرورة التمسّك بـ "الشرعية الدستورية" التي قوّضها انقلابيون من الدرك الأسفل في المؤسسة العسكرية الليبية يوم 1 سبتمبر 1969، في انقلاب يحمل جميع مواصفات وسِمات الانقلابات العسكرية التي كانت تنفذها في تلك الحقبة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في دول العالم الثالث (أمريكا اللاتينية، وأفريقيا؛ والعالم العربي على وجه الخصوص).

ومنذ البداية فقد ركّز الاتحاد الدستوري على وجوب التصدي الجماعي للانقلاب -الفاقد للشرعية- بتوحيد جهود كافة المعارضين في داخل الوطن وخارجه، ومواجهة الانقلابيين وقوفاً على أرضية صلبة هي أرضية "الشرعية الدستورية" المتمثلة في الدستور الليبي (دستور الاستقلال)، تحت علم الاستقلال، وتجديد البيعة لرمز تلك الشرعية الدستورية وممثلها؛ بطل الاستقلال، ومؤسس الدولة الليبية الحديثة، الملك العادل، والولي الصالح السيد محمد ادريس السنوسي، الذي كان وقتها على قيد الحياة، وفي كامل قواه العقلية (وبرَكَته حاضرة فيّاضة) بالرغم من تقدمه في السن...

لم يتجاوز الاتحاد الدستوري دوره، فلم يدّعِ إنقاذ الوطن ولم ينصّب نفسه ناطقاً باسم الشعب ولا ممثله الوحيد، ولم يقترح في طرحه أي تصوّرٍ لشكل الدولة ونظام الحكم بعد الإطاحة بنظام الطاغية المستبد، الذي بدأت تتضح لنا ملامح نواياه في السير الحثيث بالبلاد نحو هاوية سحيقة لن تكون النجاة منها ولا التحرر من تبعاتها بالأمر الهيّن، حتى وإن انتهى عهده بطريقة أو أخرى، في حالة لم يتمكن الشعب من إسقاطه والإيقاف الفوري لمخططاته الشيطانية؛ واكتفى الاتحاد الدستوري باقتراح إجراء استفتاء شعبي لتقرير شكل الدولة ونظام الحكم عقب إسقاط النظام، الذي ينبغي أن يكون الأولوية القصوى في تلك المرحلة.

ويجدر التنويه إلى أن عمر الانقلاب يوم الإعلان عن تأسيس الاتحاد الدستوري كان 12 سنة فقط.. يعني أنه لم يكن قد ثبّت أقدامه بالكامل بعد، كما أن مشروع الدمار الذي يحمله لم يتغلغل بعد في نفوس الناس ويشوّهها، ولم تتشرّب قلوب وعقول عدة أجيال متتالية بفساده وفُحشه... 

في ذلك الوقت ما زال معظم عُقلاء وشخصيات عهد الاستقلال من مجاهدين وأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، والوزراء، والدبلوماسيين المتمرسين، على قيد الحياة، وكان كثير منهم خارج البلاد، ولم يكن مستحيلاً -في تصورنا في ذلك الوقت- جمعهم في كيان واحد…

كان ذلك الكيان سيحظى بقدر عالٍ من الاحترام والقبول الوطني والدولي، وتمثيل كافة مناطق البلاد وشرائح شعبها، وكان مؤهلاً لأن يحوز على الشرعية الدستورية الكاملة عندما يتم تجديد البيعة للملك (وجبر خاطره -المكسور- لنيل "بركته" التي بسببها فقط سُبِّبت الأسباب، فتهيأت الظروف، وتيسرت الأمور حتى نالت ليبيا استقلالها ضد جميع الموانع المحلية والأطماع الإقليمية والعالمية؛ والتي عندما أبعدت وغابت ودّعت البلاد الأمن والاستقرار، ودخلت في نفق مظلم شديد الانحدار من الفوضى والتخبّط وحكم المزاجية والهوى سرعان ما تحوّل إلى القمع والاستبداد في أبشع صوره.

نعم، لقد كان الملك إدريس بركة من الله تمشي على أرض ليبيا، فوحّدتها واستحثّت بذور الخير في أهلها فأنبتت دولة من صندوق الرمال، واستقلالاً من أشلاء الاستعمار والأطماع وحروب البسوس، وثلاثي الفقر والجهل والتخلف، فكل المعطيات والدلائل كانت تقول إنه لن تكون هناك دولة مستقلة محترمة.. لكن تمكنت بفضل الله تلك البركة من جمع الوطن الممزق لتجعل له دولةً ودستوراً وعلماً... 

ولكن ذلك الخطاب-السهل-بعودة الشرعية لم ينزل برداً ولا سلاماً، ولم يلق قبولاً ولا اهتماماً، بل وقع وقعاً عنيفاً على الجميع !!! على النظام بطبيعة الحال، وعلى النشطاء المعارضين وعلى عامة الناس، وأثبتت الأيام أنه كان "السهل الممتنع" !!! 

فلم يحظَ إلا بالاستخفاف والاستهزاء من قِبَل السُذّج الذين لا معنى ولا قيمة للوعي الدستوري لديهم، والذين مسحت بروباقاندا النظام وحملات أبواق إعلامه، الملك ادريس من وجدانهم وملأت قلوبهم بالحقد عليه، فانطلت عليهم الحيلة وغاب دوره الحاسم في تحقيق الاستقلال وتأسيس الدولة الليبية عن عقولهم وضمائرهم، حتى صار نسياً منسياً !!! 

بينما قوبل بالنفور والعداء من المثقفين والحزبيين الذين كانت تهيمن على عقولهم قناعة أن ما حصل يوم "الفاتح" كان بالفعل ثورة حقيقية، ولكنها حادت عن مسارها!!!

أما الخُبثاء وأصحاب المآرب والأجندات -وعملاؤهم- فقد رأوا فيه خطراً محدقاً على مخططاتهم المدمّرة لليبيا والتي لم يكن انقلاب سبتمبر إلا الحلقة الأولى فيها، فقرروا محاربته بعد أن فشلوا في وأده...

كانت فكرة مشروع الاتحاد الدستوري محاولة صادقة من نفر قليل لإعادة عقارب الساعة إلى ليلة 31 أغسطس 1969، والانطلاق نحو بداية جديدة يُستفاد فيها من درس الانقلاب العسكري، وأخطاء أواخر عهد الاستقلال.. ولكن يبدو أن سريان حُكم قوله تعالى في الحديث القدسي "مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ" كان قد دخل حيّز التنفيذ..  و"لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْد"...

سأتوقّف عند هذا الحدّ.. فهذه مجرد خاطرة أربعينية بالمناسبة لا أكثر...

رحم الله من سبقونا إلى جوار ربهم من أعضاء الاتحاد المؤسسين، وحفظ الباقين منهم على قيد الحياة.. وحفظ الله بلادنا، وأعاد لها أمنها واستقرارها وازدهارها.. وردّ لأهلها رُشدهم.

* سيتبع الجزء الثاني بعنوان: "البركة .. وما أدراك ما البركة“.

هشام بن غلبون

مانشستر، 07 أكتوبر 2021

شعيب | 08/10/2021 على الساعة 18:08
سؤال حول المنقلبين على الدستور 51
لماذا بعض الاحزاب المعارضة التي تشكلت في المهجر وحملت شعارات براقة كالديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وتعدد الاراء والراي الاخر وكذلك شعارات المطالبة بعودة الدستور 1951 انقلبوا فجأة بعد ثورة 17 فبراير المجيدة 2011 ضد الدستور 51 ولم يعودوا يطالبون به بل وتنكروا منه . والاعجب والاغرب من ذلك ان منهم كان ينادي يحقوق الانسان ويندد بجرائم القذافي الدموية شارك اليوم في انتهاك الحقوق ومنهم من ساهم المذابح والمجازر الدموية ضد ابرياء ؟ هل كانوا ذئاب في ثوب حملان في الخارج وبعد انتقالهم الى الداخل كشروا عن انيابهم
هشام بن غلبون | 07/10/2021 على الساعة 23:26
بارك الله فيك يا أستاذ محمد احداش على هذه الشهادة القيّمة
الله يحفظك يا دكتور محمد احداش، ويبارك فيك ... لم تبخل علينا يوماً بالتشجيع والتأييد، وبالكلمة الطيبة التي كنّا في أمسّ الحاجة إلى سماعها وقتما صُمّت الآذان، وعُميت الأبصار، وتحجرّت القلوب ... وأنت من القلائل الذين استوعبوا أهمية العودة إلى "الشرعية الدستورية"، وضرورة العودة إلى دستور الاستقلال منذ الأيام الأولى للثورة المجيدة، ولك خطبة واضحة جليّة في هذا الصدد في ساحة المحكمة ، وأعلم أنك قد حثّيت أعلى سلطة في تلك المرحلة، بطريقة مباشرة، على العودة -المؤقتة- لدستور الاستقلال لتفادي الفراغ السياسي، الذي لا محالة سينتج الانفلات الأمني؛ وقتما كانت النفوس صافية، وكان الشارع المنتشي بحريته والفخور بعلم بلاده، على أهبة الاستعداد لأن يقبل كل ما من شأنه أن يعيد إليه -من ماضيه وإرثه- ما يشعره بهويته التي حرمه منها الطاغية ... وباستثناء أصحاب المآرب والأجندات، فإن ذلك الطرح لم يكن ليلقى أية معارضة من الشارع الثائر ... ولكن مسعاك ووجه بالصدّ ، ووقعت نداءاتك على ذات الآذان الصماء والقلوب الغُلف ...
هشام بن غلبون | 07/10/2021 على الساعة 23:04
بارك الله فيك على هذا الشهادة يا دكتور جمال
أشكرك من صميم قلبي يا دكتور جمال على هذه الشهادة الواضحة، التي أدليت بها بسخاء وبلا تردد ولا حدود ... ولا أراك إلا مصداقاً لما قالته العرب بأنه "لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل، ولا يعرف قدر الرجال إلا الرجال" ... ولقد أسعدتني كلماتك كونها نابعة من مناضل شريف، صاحب موقف وصاحب مبدأ ... واكب مسيرة الرفض للطغيان والكفاح ضد الطاغية منذ البداية، وأنا شاهد على ذلك منذ أحداث جامعة طرابلس، وما تبعها من اعتقال وسجن؛ ثم حرمانك من حق إتمام دراستك ونيل شهادتك، وأنت في المرحلة النهائية، وأنت من متفوقي دفعتك وجيلك ... ثم لم تلهِك الغربة وهمومها، ولا مشاغل الدراسة ثم العمل، عن مواصلة النضال الشريف، والتصدي للظلم والانحياز الدائم للوطن وقضاياه ... حياك الله وأسعدك وحفظك وبارك فيك ...
جمال صالح الهنيد | 07/10/2021 على الساعة 00:02
للوفاء أهله!
أبدعت المقال والحجة. وإذا كانت هناك صورة نقية صافية للوفاء للملك وحكمه الدستوري فهي مقالكم هذا وحزبكم ذاك. لقد قامت بعض الجماعات بالمعارضة للقذافي ولكنها سلكت طرق أخرى غير طريق تصحيح المسار والعودة للحكم الشرعي الدستوري، ومن هذا الجماعات من جاءت بعلم جديد للبلاد، ومنها من تأثّر بالمد الثوري الناصري أو غيره من أنواع الحكم الجمهوري … لكن لا أحد ثبت على مبدأ العودة بليبيا لما كانت، ولا أحد صرّح بذلك سواكم. والحديث هنا منذ بداية الانقلاب والملك إدريس حي وكان رحمه الله يؤلمه مآل بلاده وتنكّر أغلب شعبه له، سوى بتأييده للانقلاب أو السكوت عن الصدع بالحق. ويبقى وقوفكم على المبدأ وثباتكم عليه صورة ناصعة لمعاني الوفاء للدولة الدستورية ولملكها رحمه الله.
محمد علي احداش | 06/10/2021 على الساعة 15:39
بوركتم من فتيان خير في زمن الجدب
خطوة مباركة اتخذتها في زمن صعب فحزت على قصب السبق والتوفيق بفضل الله تعالى نعم كان ومازال الاتحاد الدستوري الإشراقة الوحيدة في ظلمات القذافي والمشكاة المني رة من بين دكاكين المعارضة ،بارك الله فيك وفي الشيخ محمد وجزاكم الله خير الجزاء على ما قدمتموه من جهد ووقت ومال
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع