مقالات

يونس شعبان الفنادي

الوسيع… المدرسة الإذاعية الفنية

أرشيف الكاتب
2021/08/16 على الساعة 02:27

هو أحدُ النُجباء الذين يفخر بهم كلُّ ليبي غيور على بلده، ويبتهج بتألقهم في سموات الإبداع محلياً وخارجياً. التقيته لأول مرة ذات ليلة صيفية في منتصف تسعينيات القرن الماضي أثناء سهرة عرس عائلي أواخر شهر سبتمبر 1996 بمناسبة زفاف أحد أبناء عائلة (الشريف) بسوق الجمعة بمدينة طرابلس. 

وحين قدم لي صديقي العريس (جمال الشريف) ميكروفون الصوت وطلب مني بشكل مفاجيء تقديم الأستاذ عبدالفتاح الوسيع لجمهور الحضور في تلك السهرة الفنية الطربية الذين غصت بهم خيمة العرس ليلة 24 سبتمبر 1996م، استحضرتُ مناسبتين للتعريف بهذا الفنان المبدع والإذاعي المثابر المتميز ظلتا ولازالتا مترسختين في ذاكرتي الوهنة حتى هذا الوقت. 

أولاهما لقاء أجراه في قاعة التلفزيون الليبي مع الممثلة الإنجليزية (فانيسا ريدغريف) التي أدت دور البطولة في الشريط العالمي (أنا الفلسطيني) سنة 1977 لمناصرة القضية الفلسطينية، وثانيتهما دوره على الخشبة في مسرحية (الشمسُ تشرقُ على الجميع) سنة 1982 التي أخرجها الفنان عبدالله أحمد عبدالله. 

وبعد انتهاء تلك السهرة مع ساعات الفجر الأولى تشرفتُ بنقله بسيارتي مع رفيقه (السيد/ عبدالمجيد حسن الفقيه) إلى الفندق الذي يقيم به آنذاك بقلب العاصمة طرابلس، وأثناء ذلك المشوار دار بيننا حديث حاولتُ استثماره للنهل من فيوض تجربته وخبراته، ثم توالت اللقاءات معه داخل أروقة إذاعة صوت الوطن العربي الكبير بطرابلس التي كان يزورها لتسجيل بعض البرامج المسموعة بصوته، والتي من بين ما أذكره الحلقة الخاصة عن اعتقال الفنان محمد الزواوي في تونس مطلع الثمانينات التي أعدتها الأديبة فوزية شلابي مع تنظيمها معرض للوحاته بقلب شارع (أول سبتمبر سابقاً) وسط طرابلس تضامناً معه والمطالبة بإطلاق سراحه ومنحه حريته.

المناسبتان اللتان أشرت إليهما في تقديمي له تحملان الكثير من الإشارات للتذكير بقدرات هذا الإعلامي والفنان الليبي الفذ الذي تدرب في قاعات هيئة الاذاعة البريطانية البي بي سي BBC خلال منتصف ستينيات القرن الماضي والتي استعارته لاحقاً في منتصف السبعينيات من الإذاعة الليبية للعمل ضمن مذيعيها المميزين والمشهورين بقراءة نشرات الأخبار السياسية وتقديم برنامج "عالم الظهيرة"، ولاشك بأن هذه الاستعارة أكبر دليل على تفوق المدرسة الفنية والإذاعية للأستاذ عبدالفتاح الوسيع وبصمته المتميزة في هذا المجال.

إنني أعتبر الإذاعي والفنان عبدالفتاح الوسيع مدرسة متقدمة في مهارات التقديم الإذاعي والتمثيل والإخراج، وعلى كل إعلامي وفنان مثابر ومجتهد أن يطالع سيرة هذا الموهوب البارع في مجال الإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينماء وإعداد البرامج والاستفادة منها سواء أثناء وقوفه ومواجهته للجمهور بأداء مسرحي ينال كل الإعجاب والتصفيق، أو بقدراته ومهاراته في إدارة الحوارات الإذاعية سواء باللغة العربية أو الانجليزية التي يعد أحد فرسانها المجيدين منذ بواكير دراسته ونيله شهادة البكالوريوس في الاقتصاد العلوم السياسية من الجامعة الليبية فرع بنغازي سنة 1963م وقبلها كان ضمن العشرة الأوائل في اجتياز شهادة الثانوية العامة في ليبيا.

كان آخر لقاء لي مع الأستاذ القدير عبدالفتاح الوسيع أثناء فعاليات احتفالية الصادق النيهوم بدار الكتب الوطنية التي انتظمت يومي 22 و 23 من شهر أبريل 2009م بمدينة بنغازي، وحينها بدأ واضحاً أن المرض قد هجم عليه وانعكست أثاره واضحة على ملامح صحته، ثم في شهر مايو 2012م كانت أخر مصافحة لي وحديث معه أثناء ندوة نظمتها صحيفة ميادين بمدينة بنغازي استضافت فيها الأستاذ مفتاح السيد الشريف بإدارة الصحفي أحمد الفيتوري.

وبعدها بسنوات كنتُ سعيداً حين تابعتُ بتاريخ 20 يونيو 2018م نيله جائزة التميز الإعلامي العربي لسنة 2018م التي سلمها له السيد فوزي الغويل مدير الأمانة الفنية لمجلس وزراء العرب خلال حوارية حول الإعلام والثقافة في ليبيا بحضور ثلة من الأدباء والكتاب والفنانين والإعلاميين.

لقد عشق الأستاذ عبدالفتاح الوسيع ركح المسرح وأجواء التمثيل ومتعة الأدب وتخصص في التعليق الإذاعي على الأشرطة المرئية التسجيلية والتي منها (وثائقيات الحرب العالمية الأولى) و(وثائقيات الحرب العالمية الثانية) و(العالم في حرب)، كما أعد وقدم قرابة خمسين شريطًا وثائقيا عن التاريخ والسياسة وحركات التحرر العالمية في العالم ونضالات الشعوب وتجاربهم أشرفت على انتاجهم ادارة التوجيه المعنوي التابعة للقوات المسلحة في ليبيا تحت عنوان (الشعبُ المسلح)، بالإضافة إلى إعداده مع الأديب الراحل الصادق النيهوم عدة حلقات من برنامج مرئي بعنوان (كي لا ننسي) وهو عبارة عن استعراض أشرطة سينمائية عالمية تصور كفاح الشعوب ونضالها من أجل الحرية. كما قدم أيضاً برنامجاً دينياً تحت عنوان (دروبُ النور) بالمشاركة مع الفنان عبدالرحمن آل رشي. ويعد دوره في شريط (الرسالة) العالمي الذي أخرجه الراحل مصطفى العقاد من أبرز إسهاماته في الحركة السينمائية الليبية حين أدى دور شخصية (سعد بن عبادة) زعيم الأنصار المبايعين للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ونصرة دينه الإسلامي. 

الأستاذ عبدالفتاح الوسيع قامة من قامات ليبيا، وعلم من أعلام الفن والمسرح والإذاعة فمتى يستحق التكريم من الليبيين بعد أن اعترف الآخرون بلعو كعبه وتميز مهاراته؟

رحم الله فقيد ليبيا الراحل الإعلامي الكبير والفنان عبدالفتاح الوسيع.

يونس شعبان الفنادي

راجع:

أحمد بشير العيلة: عبد الفتاح الوسيع، مدرسية إعلامية إبداعية

- الإعلامي والمذيع والممثل الليبي/ عبد الفتاح الوسيع في ذمة الله 

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع