شهدت مدينة تونس خلال اليومين الماضيين اجتماعا للجان الحوار الليبي، تحت اشراف المندوب الأممي، وبحضور اعضاء المجلس الرئاسي، وتطلع اليه الليبيون بامل ان يروا حلا ينتج عن هذا الاجتماع، الا ان النتيجة لم تكن الا تكريسا للوضع الراهن، وفقرا للخيال والابداع، ونقاش عقيم حصاده العجز والخيبة. ولسنا هنا في محل البحث عن اسباب هذا الفشل، فربما كان الجزء الاهم منه راجع الى عناصر الاسلام السياسي، التي تزخر بها لجان الحوار، وترى نفسها قد كسبت مواقع، ستكون مهددة بالضياع اذا حصل تعديل او تغيير في معطيات الحالة الراهنة.
ولابد من الاعتراف، بان البحث عن حل يبدأ من حقيقة واضحة جلية، لا تغيب الا عمن اعمته المطامع الخاصة، والمنافع الجهوية والعشائرية والحزبية عن رؤيتها، وهي ان الاتفاق الذي اوصل المجلس الرئاسي الى الحكم، وصل الى طريق مسدود، ولم يعد ممكنا ان يواصل الليبيون معالجة النهايات الميتة، كما يقول التعبير الشهير.
وعبر ما شهدته وسمعته ودخلت طرفا فيه، من نقاشات واتصالات، شملت عينات متنوعة، وقاعدة عريضة من ممثلي الوان الطيف السياسي، والمهتمين بالشأن العام الليبي، اقول ان الحل الذي يتفق عليه اغلب الناس، ويرون انه حل لا وجود لحل سواه، بعد ان وصلت محاولات الترقيع والتلفيق، التي سبقتها جهود كثيرة لاصلاح الحال، وعديد الماسعي التي قامت بها فئات تمثل شرائح وفصائل معنية بالشأن السياسي، الى هذا الحصاد المر من الاخفاق اخفاقا كاملا في انقاذ الموقف، الذي بدل ان نراه يتحسن، لا يزداد الا تأزما، وانتج كوارث سياسية وعسكرية واقتصادية، لم توفر منطقة من خريطة الوطن، ولا فئة من فئات الشعب، وهو الحل الذي يقول بالعودة الى صاحب الشأن الاصلي، اي الشعب الليبي، في انتخابات نيابية، يخوضوها ممثلون عن كل بقعة من بقاع ليبيا، في مناخ جديد، غير مناخات سابقة حصلت في انتخابات المؤتمر الوطني، وخليفته مجلس النواب، لان حالة الاختناق، وصلت الى كل الناس، والمعاناة عمت الجميع، ونزيف الموارد والامكانيات بلغ حده الاقصى، تاكا الناس في حالة بؤس وفاقة الى حد المجاعة، وصار الجميع يتطلعون الآن الى ان يصلوا الى كلمة سواء، لانهاء الازمة، وهي كلمة لا احد مخول بقولها غير الشعب الليبي بكامله، ولا سبيل الى الوصول اليها، الا عبر انتخابات برلمان قادم، لا يهم ان كان مؤقتا لعام اوعامين، او دائما لدورة سنوات اربع كما هو في البرلمانات الرسمية، وان يتم بتوافق بين الليبيين، بعد ان فشلت محاولات الانابة عنهم بمثل هذه اللجان الحوارية والمسارات الشعبية والعسكرية والمجالس البلدية، وغيرها من عناصر تخرج عن سياق التمثيل الطبيعي المعتمد في سائر بلاد العالم، وهو مجلس نيابي، يكون هو المخول ولا جهة سواه، بقول الكلمة الفصل في الشأن الليبي، واختيار من يتوافق عليه لحمل مسئولية تسيير الدولة وفق قاعدة الاغلبية، ومباشرة بناء الجيش وانجاز الامن والعدل وتسيير دواليب الحياة الاقتصادية، ووضع اللبنات لعهد جديد ودولة جديدة.
نعم، هناك تجربتان لانتخابات نيابية، انجزها الشعب الليبي، في وقت لم تكن فيه الحالة العامة، اقتصادا وسياسة وامنا واحترابا، قد وصلت الى هذا الدرك الاسفل من التردي والسقوط، وكان بعضهم قد تصور انه يستطيع بالمغالبة تحقيق اهدافه، ولكن التجربة اظهرت انه عندما يخسر الوطن، فلا وجود لرابح ولا مستفيد من بين ابنائه، وهذا اول دروس الانتخابات السابقة، ولا باس من تكرار الانتخابات مرة واثنين وثلاثة، فهي عودة الى الشعب لا بد منها عند تأزم الحالات والبحث عن كلمة تجمع كل الناس، اما الدرس الثاني الذي لايمكن اقامة انتخابات نيايبة في ليبيا الا بمراعاته، وتطبيق شروطه، فهو ان لا تترك الانتخابات لاي طرف من الاطراف المتنازعة للعبث بها، ولا ضمان في ظل وجود الميليشيات والسلاح غير الشرعي، والخصومات والانقسامات والاشتباكات المسلحة، الا بان تتولة جهة دولية محايدة، الاشراف اشرافا كاملا على اقامة انتخابات نقية نزيهة خالية من العسف والمغالبة، وان تحمي هذه الجهة الدولية مراكز الاقتراع، بقوات سلام دولية، من اصحاب القبعات الزرقاء، يأتون في مهمة محددة، تقتصر على اسبوع الانتخابات، ويعودون بعد ذلك الى بلادهم، ومراقبين دوليين ربما بمشاركة اهل القضاء في ليبيا. لانه لن نفوز ببرلمان يمثل حقيقة ما يريده الشعب بغير هذه التدابير، كما لا امكانية لتاجيل الوصول الى هذا الحل اكثر من ذلك، او انتظار اقامة هذه الانتخابات الى يوم ان تنتهي من ليبيا اخر قطعة سلاح خارج الشرعية او اختفاء آخر ميليشياوي، لان هذا البرلمان هو الذي يجب ان تتفق كل الاطراف على انه صاحب الكلمة العليا في قيادة ليبيا في النهج السليب، خالية من الميليشيات ومن السلاح الشرعي، دولة الامن والقانون والالتحاق بحضارة العصر بعد ان تخلف عنها لعدة عقود.
د. احمد ابراهيم الفقيه
* ينشر بالتزامن مع نشره في صحيفة العرب.