سنتان تقريبا مرت على مسيرة الحوار الليبي الذي بدأ برعاية الأمم المتحدة، في النصف الثاني من عام 2014 م، لكن ورغم كل تلك المحاولات والجولات متعددة المكان والزمان، لم يتحقق الهدف او الحد الأدنى مما كان مؤملا من ذلك الحوار، كنتيجة منطقية لعدم حدوث توافق بين الفرقاء ان لا ينجح مشروع الحوار ويتعثر، لقد تبادل الأدوار على رعاية حوار الأمم المتحدة حتى الآن ثلاثة مبعوثين، بدء بطارق متري مرورا بفرديناند ليون وأخيرا وليس آخرا مارتن كوبلر! ولم يتمكن ثلاثتهم من خلق حالة توافق ليبي، ولو بالحد الادنى الذي يساعد على القبول بحكومة واحدة لليبيين! ذلك الامر ترتب عليه حالة الفوضى المعاشة، والمتمثلة في وجود ثلاث حكومات تتقاسم الأدوار، كل حسب موقعه الجغرافي وتأثيره الاقتصادي والسياسي وهذا ما يجعل ليبيا دولة فاشلة بما نعتيه الكلمة من معاني.
لعل من بديهي القول، ان من الأسباب الرئيسة في تعثر الحوار وفشله، هو عمق واتساع الفجوة بين الخصوم الليبيين وازديادها مطلع كل يوم جديد، كنتيجة لعدم وجود إدارة فاعلة للازمات الليبية المتراكمة، وخاصة في ما يتعلق بالمؤسسات السياديّة في البلد، مثل مؤسسة الجيش والامن، ومؤسسة النفط والمصرف المركزي وشركات الاستثمار، كما انه من بين الأسباب الوجيهة أيضا، افتقار الحوار الى الية وطنية محددة، يمثل فيها الأطراف كافة بدون اقصاء او تهميش، حيث ان من يحضر الحوارات الآن واقعيا لا يمثلون الا اجساما رسمية لا قاعدة شعبية لها فهي بالتالي اطراف لا تمثل كل الليبيين ولا يمكن التعويل عليها على الأرض!.
انه بعد هذه التجربة من الحوارات، بات واضحا عجز مثل مكونات هذا الحوار من الفرقاء الحاليين على الوصول الى حالة توافق، ولو بالحد الأدنى، ما يعني تعثر كل محاولات الوفاق ووصول الامر الى طريق مسدود!، امام تنامي واضح لحجم الفجوة من الاختلاف والخلاف، وهذا ما يجعلني اشعر بأن حوار الصخيرات قد مات في تونس! وأن الحلول السلميّة قد أضمحلت فرصها، وأضحت غير ممكنة، وان الامر قد وصل الى نقطة اللاعودة، حيث ترسخت ثقافة الانتقام والحقد وتنامى العداء بين الفرقاء! وهو ما يعزز لمرحلة أخرى ليست الا مرحلة الحسم بالقوة وبكل مرارة!
انه بات واضحا في تصوري ان الوضع المتأزم في ليبيا اليوم، لا يمكن معالجته الا من خلال استعمال القوة وفرض الارادة لهذا الطرف اوذاك، وذلك بالطبع سيتطلب تضحيات جسام لكنها أضحت حتمية بالضرورة!، ان الحسم سيكون مرهونا بمدى الاصطفاف المتوقع للأطراف الليبية خلال هذه المرحلة الحرجة، فاذا ما ادرك الليبيون خطورة امرهم وتنادوا جميعا تحت قيادة واحدة تضم تحت لوائها جميع الليبيين، كان ممكنا تجاوز المحظور، والا فان خطر الانقسام سيكون بديلا لا مفر منه، الانقسام الذي قد يكون انقساما ثنائيا او ثلاثيا او حتى اكثر من ذلك!
انه بالنظر الى حتمية الحسم العسكري للقضية الليبية، فان ذلك سيكون من خلال انتصار أحد الأطراف المتواجدة على الساحة الآن، وما يمثله ذلك من فقدان لضحايا من الليبيين ومن الأطراف كافة، جراء تقاتل اهلي بغيض بين تلك الأطراف المتناقضة والساعية الى فرض السيطرة والتحكم في البلد! ولا أرى ما يجنبنا ويلات ذلك التقاتل الأهلي في نظري، الا استدعاء قوة عسكرية امميّة على الأرض، تكون تحت رعاية الأمم المتحدة، تتمركز في شرق وغرب وجنوب البلد وتباشر مهامها في تأمين وحماية المدن أولا، ثم الانطلاق الى المرحلة الثانية، وهي نزع السلاح من كافة الميليشيات طوعا او كرها، خلال جدول زمني معلن بالخصوص، ثم يتم بعد ذلك إحلال تدريجي لأفراد من الجيش الليبي ينبغي ان يكون قد تلقى تدريبا راقيا، ويبني على أسس عسكرية حرفية وفق المعايير العسكرية العالمية في خط مواز لتواجد تلك القوات الدولية.
عبيد احمد الرقيق
[email protected]