مقالات

د. عمارة علي شنبارو

زعما يصير منها؟!

أرشيف الكاتب
2017/04/21 على الساعة 19:15

بسم الله الرحمن الرحيم... {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد 11]

"زعما يصير منها؟!!".. سؤال يتردد على مسمعي أينما ذهبت وأينما حللت.. وأصبح حديث الساعة.. يتداول على ألسنة الجميع.. وكأنما اليائس قد أخذ منهم في النفوس حيز.. يحدوهم الأمل في إيجاد مخرج من الأزمات الخانقة التي يعيشونها ويتجرعون مرارتها كل يوم.. يتطلعون لسماع إجابة قطعية بـ "نعم" أم "لا".. دون حاجة لفهم التفاصيل أو الخوض في التحليلات والمبررات.. فقد مَلّوا الخُطب وسئموا الوعود.. اختلطت مشاعرهم وتباينت.. يرمقون بأنظارهم كل شاردة وواردة عسى أن تلوح لهم في الأفق بارقة.. وبقى السؤال قائماً يحتاج لإجابة شافية.. لعل الرد بشكل قطعي أمر لا يملكه أحد.. ويخضع في الواقع لتقلبات المشهد السياسي والأمني الذي تعيشه ليبيا.. ويتوقف على جملة من المواقف السياسية والسلوكيات الجماعية والفردية.

أخي الكريم أختي الفاضلة.. السائل والسائلة.. نعم.. "حيصير منها ليبيا وستنهض".. بمشيئة الله وعونه.. عندما يتَوَقّفْ تدخل الدول العربية والأجنبية بدون استثناء في الشأن الليبي.. ويكفوا أيديهم عن دعم أطراف النزاع.. ويسعى أبناء الوطن الشرفاء بكل وعي ودراية وحكمة لإخراج ليبيا من دائرة الصراع الأقليمي والدولي.. الذي أطبق عليها بمخالبه.. وأوقعها فريسة بين براثنه. وحينما ينتهي الإنقسام السياسي القائم وتتوحد مؤسسات الدولة السيادية وتنضوي تحت إدارة مدنية واحدة.. وتتوقف الأطراف المتناحرة عن سعيها الدؤب للوصول لحكم ليبيا بقوة السلاح.. وتكريس الدكتاتورية والهيمنة على مقدرات الشعب.. ويذعنوا جميعاً للمسار الديمقراطي الذي ارتضاه الليبيين سبيلاً للتداول السلمي على السلطة. نعم ستنهض ليبيا.. عندما يتوقف دعاة الجهوية والقبلية عن عبثهم بوحدة الوطن.. وعن سعيهم لتقسيم ليبيا تحت ذرائع مفتعلة وحجج واهية وممارسات شائنة.. ما أنزل الله بها من سلطان.

نعم.. "حيصير منها".. حينما يكون مشروع الدولة مترسخ في عقل الحاكم والمحكوم.. يجتهد الكل بشكل جاد في إيجاد السُبل الممكنة لبلورته واقعاً ملموساً.. بمنأى عن التقوقع في خانة التفكير المصلحي العقيم. وعندما يستشعر المواطن حجم مسئولياته الوطنية.. ويدرك جازماً بأنه اللبنة الأساسية في بنيان الوطن ونهضته.. وإن صلاح سلوكه وحسن أدائه لواجباته ولمهامه الوظيفية وحرصه على المصلحة العامة.. هو الرافد الحقيقي للخروج من كل الأزمات الحادة التي يعيشها واقعاً مريراً.. عندها سيترسخ مفهوم الوطنية وحب العمل ومخافة الله في النفوس.. وتخلص المساعي لله وحده.. ويتم الابتعاد عن حب الذات وتقديس الأفراد.

نعم ستنهض ليبيا.. حينما تلتزم الحكومة العاملة بوضع معايير دقيقة وضوابط صارمة عند تعيين الاشخاص في المناصب العليا.. تُراعى فيها النزاهة والكفاءة العلمية والخبرة المهنية والقدرات القيادية والمهارات الإدارية.. وعندما تُرسي السلطات السيادية رؤية النهوض.. وتبذل في سبيلها الجهود.. وتسخر لها الإمكانيات والأدوات.. وتوظف لها القدرات وتزيل عن طريقها الصعاب والعَقَبات.. بعيداً عن تكريس سطوة الجهوية ومحاباة القبيلة واعتبارات المصالح الفئوية والشخصية ومآربها المشبوهة. وعندما يؤدي السياسي عمله على أكمل وجه.. ويتقي الله في وطنه وشعبه.. ويسمو بنفسه عن استغلال منصبه في خدمة مصالحه الشخصية وتغليبها على مصلحة الوطن والمواطن.. وعندما يسعى بكل جهده لبناء وتطويرمؤسسات الدولة وتفعيلها.. ويمنع تقسيمها وتشرذمها وانهيارها.. ويسهم في وضع السياسات والخطط الكفيلة بالنهوض ويحرص على تنفيذها.

نعم.. "حيصير منها وستنهض".. إذا ما أيقن أركان وأنصار النظام السابق بإن معمر القذافي قد مات.. وإن نظامه انتهى وصار من الماضي.. وإن إعادة عقارب الساعة للوراء أمر مستحيل.. وبإن ليبيا أكبر من الملكية ومن الجمهورية.. وأكبر من سبتمبر ومن فبراير.. وإن عليهم الانخراط بكل جدية ووطنية مع أبناء وطنهم في بناء ليبيا الحديثة.. سواسية دون إقصاء أو تهميش أو تمييز لأحد على أحد.

نعم ستكون ليبيا مشروعاً حضارياً.. إذا ما قام المسئول والموظف والعامل بعمله على أكمل وجه في كافة القطاعات.. والتزم بواجباته.. وساهم في رفع معدلات الإنتاجية.. وكان عنصراً هاماً في نمو الاقتصاد الوطني.. وابتعد عن اللهث وراء مصالحه الشخصية.. والبحث عن زيادة مداخيله المالية بطرق ملتوية غير قانونية.. تدليس ورشوى ونهب وتزوير وازداوجية توظيف. وإذا ما توقف رجل الأعمال والتاجر عن نهب المال العام واحتكار السلع وتهريبها.. وزيادة أسعارها دون مبرر.. والتسبب في جعل معيشة المواطن جحيم لا يطاق. نعم ستنهض ليبيا.. عندما يتوقف حامل السلاح عن نزقه وعبثه.. ويكف عن تدمير الممتلكات العامة والخاصة.. ويبتعد عن نهب المال العام وترويع المواطنين.. وينضوي تحت مؤسسات الدولة الشرعية (جيش وشرطة).. ويمتثل لأوامرها ويلتزم بنواهيها. وإذا ما راقب ولي الأمر أبناءه.. ونهاهم عن ارتكاب المنكر.. ومنعهم من الانغماس في مستنقع الجريمة والرذيلة.. وردعهم عن الانحراف والسقوط في الهاوية.

نعم.. "حيصير منها".. عندما تتبنى العقول ثقافة الاختلاف سبيلاً للوصول للأفضل.. ولرسم ملامح الحقيقة الغائبة.. دون أن يكون ذلك ذريعة وحجةً.. للتخوين وإلإزدراء.. ورفض الآخر واقصاءه عن القيام بدوره الإيجابي.. وسبباً لممارسة التعنت والمكابرة.. والركون للعنجهية والصلف.. أو أساساً لنشوب الخلافات. وحينما يتم احترام وجهات النظر باختلاف مشاربها ومراميها.. وتترسخ حرية الرأي نبراساً للتعبير.. ضمن نطاق القانون وعدم المساس بحريات الآخرين أو التعدي على مصالح الوطن. وعندما تمتهن وسائل الإعلام المصداقية والحيادية في نقل الخبر ومواكبة الحدث.. ولا تكون معول هدم يسهم في صناعة الحدث المشبوه وتزينه.. أو أداءة لتضليل الرأي العام والتغرير بفكر العوام.

نعم ستنهض ليبيا وستزدهر.. حينما يبتعد الشيخ والإمام.. ناهيك عن الداعي والخطيب والمصلح الديني.. عن الانزلاق في إذكاء روح الفتن بين أبناء الوطن الواحد.. وعن التحريض على القتل خارج القانون.. أو الخوض في الشئون السياسية والعامة بغير علم أوإدراك لأبعادها وبواعثها ومآلاتها. وحينما يكون مشروع المصالحة الوطنية هدفاً نبيلاً سامياً.. يسعى كل الشعب لتبنيه وتجسيده واقعاً ملموساً.. لإرساء السلام وتوطيد وشائج الأخوة والوئام والمحبة بين الأفراد والجماعات.. ضمن رؤية حقيقية شاملة لتجسيد العدالة الإنتقالية.. وما تقتضيه من إجراءات لتقصي الحقائق ورد المظالم وجبر الضرر. وحينما يقوم أصحاب الأيادي البيضاء والخيرين والقادرين.. بمساعدة المحتاجين والعاجزين والمتضررين.. ويسعوا سعيهم للصلح ولم الشمل ونبذ العنف وتبني مشاريع الاستقرار.. ويبتعدوا عن السلبية والانكفاء على الذات.

ذلك غيض من فيض.. وأمر يرتكبه البعض ولا يعم الكل.. لكنه يربك المشهد السياسي والاجتماعي والأمني.. ويزيد من معاناة المواطن ويفاقم من خطورة انهيار الدولة.. وينبغي الإقرار بأن مقاومة التغيير أمر طبيعي يختلج النفس البشرية.. تفرضه غريزة الخوف من المجهول.. وتتفاوت شدته وقدرته على مقدار الوعي والاعتقاد الراسخ بالعقول.. فكلما ارتفع الوعي والإيمان بضرورة الإصلاح وبأهمية البناء والنهوض والخروج من بوتقة الجهل والتخلف والفساد.. انحسرت المقاومة وقلت الفوضى وارتفعت الهمم.. ولاح في الأفق أملٌ في غدٍ أفضل.

هدانا الله وإياكم لما يحب ويرضى.

د. عمارة علي شنبارو

كلمات مفاتيح : مقالات ليبيا المستقبل،
مفتاح | 23/04/2017 على الساعة 19:37
صدقت هدى
القول ماقلت ياهدى. لن يهنأ البلد اﻻ بوضعه تحت حكم دولة اخرى تحت وصاية اﻻمم المتحدة. مثل ماحدث في هايتي قبل عشر سنوات. المتخلفون يؤدبهم المسيطرون.
هدي | 22/04/2017 على الساعة 11:46
ليبي ما يتغير
اخي الكاتب شروطك مستحيله في الوقت الحالي الحل الوحيد وصايه دوليه والاشراف علي ليبيا باستعمال العين الحمراء من قبل احدي الدول العظمي نحنا شعب يخاف و ما يتحشمش
الجنزوري | 21/04/2017 على الساعة 23:26
ما يصيرش منها
الشروط التي وضعها الكاتب باش يصير منها معناها البلاد ما يصيرش منها في هالوقت القريب.
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع