أعلمني خليل العريبي المدير الإداري لجريدة ميادين أن العدد الأخير وهو في طريقه إلى طرابلس صُودر في البوابة الرئيسة لمدينة مصراته وتم ضرب السائق، وحدث تقريبا شيء مُماثل مع السائق في مدينة بنغازي مع العدد التالي، كان ذلك في سبتمبر 2014م، وكصاحب الجريدة ورئيس التحرير أدركتُ أن وقت التوقف عن الصدور قد حان، ووقتها الاغتيالات من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة تجتاحُ المدينة، وطالت عدد ممن عمل بالصحافة كـ "مفتاح بوزيد"، لقد وُجهنا قبلها بالعديد من العراقيل ومنذ ساعة الإصدار الأول في أول مايو 2011م ومن قبل أطراف عدة في مُجملها ضد حرية الرأي وقد تُوج ذلك الضد بالقتل.
حريةُ الرأي مسألةٌ لم تعرفها ليبيا طوال تاريخها كما الدول المماثلة خاصة العربية منها، وقد حقق الليبيون حرية الرأي للمرة الاولي منذ الأيام الأولي لثورة 17 فبراير 2011م لكن ذلكم مثل للقوى التي أرادت الاستيلاء على "السلطة والثروة والسلاح" العقبة الرئيسة كما هو الحال مع القوى الفاشية التي سيطرت على البلاد لعقود.
تمكن الليبيون لأول مرة في تاريخهم من اصدار الصحف وانشاء الإذاعات ومحطات التلفزيون، وأسسوا المنابر التي بها جعلت حرية الرأي حقيقة على الأرض وتنتشر عبر الأثير، لكن ذلك منذ بزوغ فجره عمل أعداء حرية الرأي على طمسه، فمثلا رئيس الوزراء على زيدان صرح عقب تعيينه كرئيس للوزارة في 14 نوفمبر 2012م: أن حرية الصحافة في ليبيا عاملُ هدم هذه الساعة، ويمكن لحرية الرأي أن تتوفر في ليبيا عندما تصبح كـ "النمسا "، وهذا توكيد لما جاء به "الملازم معمر القذافي" عقب انقلابه العسكري في أول سبتمبر 1969م، والذي مارس القمع والقتل من أجل تأميم الرأي، مُطلق رأي، مما جعله يؤمم الثقافة وعناصرها من أدابٍ وفنونٍ، ويمنعُ الكُتب والصحف وحتى الموسيقى.
لقد وُجه الرأي الحر عقب ثورة فبراير بكل وسائل القمع والتنكيل، وبحجج عدة، ومن أطراف متعددة تمت محاصرته، فقد مثل لهذه الأطراف الخصم الأول بل وعند بعضها العدو، حتى أنه تم إرهاب أصحاب الرأي الأخر بحجة محاربة الإرهاب الذي صوغ اغلاق الصحف والاذاعات، ولهذا منعت صحيفة "الوسط" في غرب البلاد وشرقها، وعليه فرَ وهاجر الرأي إلى خارج البلاد كما حصل خلال العقود السوداء لسيطرة فاشية "القذافي" على البلاد، وقد فعل "القذافي" ذلك من أجل السيطرة والاستحواذ على البلاد ما تم له ولكن على بلاد هي خيال مآته لا تذكر حتى في النشرات الجوية، وان ذكرت فملحقة بعمليةٍ إرهابية ما...
من الواضح والجلي أن من يريدُ استعادة أوضاع البلاد عهد القذافي سيستخدم أساليبهُ ومنطلقاته، وأن هذا بدأ مُنذ اللحظات الاولي للثورة حين حاول من حاول منع الرأي باعتباره مدماك الديمقراطية وكانت القوى اللا دمقراطية ضد حرية الرأي دائما وفي هذا وريثة القذافي، ولعل حال البلاد الحاصل بين أنها عملت وتعمل بكل السبل ضد حرية الرأي الذي يعني في البدء حرية البلاد.
ما قاله رئيس الوزراء حينها حول حرية الرأي، وردده الكثيرون ضد السوشيل ميديا: "شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك"، كان التمهيد ووضع اللبنة الاولي لمنع ومحاصرة الرأي الحر، والآن جعل الرأي الحر الشيطان الذي كان القائد الأعلى للمليشيات والكتائب المسلحة ما أفقدت البلاد آمنها وأدخلاها في أتون حرب أهلية، وكان هذا انقلاب مضاد لثورة فبراير كما حال كل ثورة تستهدف الديمقراطية وسيلة للنهوض، وهذه عنة الثورات التي يسيطر عليها أعداؤها من قد يكونون من أبنائها في لحظة استثنائية.
على أي حال ما تبقي من مجال للرأي هو العودة على بدء أي الهجرة، ولهذا نرى أن وسائل الاعلام الليبية قد حطت محطاتها في هذي البلاد أو ذاك، ورغم أن الشكوى عامة بين الليبيين من غياب حرية الرأي إلا أنهم يتناسون أن الرأي الحر بات تهمة وأمسي مطاردا مرة ثانية من جهة، ومن جهة أخرى فإن حضور هذا المغيب كما قبس في سحب ركامية ما يغيب من أثرها أكثر مما يبان، وحرية الرأي التي هي مسئولية وجدية وعمل دؤوب بكلفة غالية في حال ليبيا لم يعد لها مكانة في وسط ديدنه التنكيل والقمع بأصحاب الرأي الحر، ولهذا فإن الرأي الحر مسألة مُغيبة كما مُغيبة البلاد التي يُفترض أن يُمارس فيها ولها هذا الرأي الحر...