قصة الولايات الثلاثة (طرابلس وبرقة وفزان) من حيث الأصل هي قصة و بدعة استعمارية واختراع ايطالي حديث بامتياز لا وجود له قبل الاحتلال الايطالي البغيض لطرابلس وبرقة عام 1911 (!!) تماما كما هو الحال في تسمية طرابلس وبرقة بعد دمجهما بقوة الاحتلال باسم ليبيا على يد الايطاليين، فهي تسمية استعمارية ايطالية فرضها المستعمر بقوة السلطان وليست نابعة من ضمير وارادة السكان، وكانت بالتالي في حينها، خصوصا إبان حقبة الجهاد والمقاومة وقبل شنق سيدي عمر المختار عام 1931، تسمية مرفوضة ومكروهة من سكان وأحرار برقة وطرابلس على السواء لدرجة أن من يقول يومها لك: (أنا ليبي) كمن يقر لك بأنه (مطلين) حيث كان اسم (الليبيين) الذي فرضته ايطاليا على طرابلس وبرقة يشمل السكان المحليين في هذين القطرين + المستوطنين الطليان!. [١]
فهذه الولايات ما هي الا تسميات وتقسيمات ادارية حكومية فوقية اخترعوها الغزاة الطليان في تنظيم مستعمراتهم سنة 1934 بعد دمج القطر البرقاوي والقطر الطرابلسي معا وسموهما (ليبيا) وقسموهما اداريا الى ثلاث ولايات مركزية غير فيدرالية ورسموا وحددوا هم، بهواهم، الحدود الادارية بينها وقد يكونوا حينها جعلوا الحد الفاصل بين ولاية برقة وولاية طرابلس هو قوس النصر أو الأخوين فلييني [٢] مع أن هذا القوس تم بناؤه وافتتاحه عام 1937 فكيف يقال أنه كان هو الحد الفاصل بين ولاية طرابلس وولاية برقة وهما تم انشائهما مع ولاية فزان عام ا1934 أي قبل بناء القوس!؟.
فهذه ترسيمات وتقسيمات ادارية سلطانية تحكمية استعمارية تخالف حقيقة الحدود الطبيعية والتاريخية والجغرافية والعرفية المعروفة للجميع بين القطرين العربيين الشقيقين المتجاورين برقة وطرابلس قبل تكوين دولة ليبيا الايطالية ثم ليبيا العربية المتحدة والتي تتمثل كما في كتب جغرافيا وتاريخ البلدان قبل قدوم الطليان وكما في العرف الاجتماعي والقبلي السائد آنذاك وحتى حسب وثائق انشاء الجمهورية الطرابلسية في سرت كحد فاصل بين طرابلس وبرقة!، سرت التي يعتبرها البعض احيانا داخلة في البلاد البرقاوية واحيانا داخلة في البلاد الطرابلسية وهو ربما الرأي الراجح!. [٣]
فالطليان هم من اخترع قصة الولايات الثلاث بعد أن اخترعوا دولة ليبيا المركبة من طرابلس وبرقة عام 1934 ثم عام 1937 بنوا القوس وألغوا نظام الولايات!، فبناء القوس جاء مع انهاء الولايات الثلاث والغائها لا مع اقامتها وانشائها فكيف يقال انه هو الحد الفاصل!؟، ثم أحلوا محل نظام الولايات الثلاث نظام خمس مناطق إدارية تحت اسم (مقاطعات أو محافظات) وهي محافظة طرابلس ومركزها طرابلس المدينة، ومحافظة مصراتة ومركزها مصراتة، ومحافظة بنغازي ومركزها بنغازي المدينة، ومحافظة درنة ومركزها درنة، ومحافظة الصحراء الليبية ومركزها هون.
فهذه الترسيمات السياسية والتقسيمات الإدارية، سواء نظام الولايات الثلاث او نظام المقاطعات والمحافظات الخمس، هي في الواقع أوضاع ادارية سياسية حكومية فرضها الحاكم الاجنبي بقوة السلطان على الواقع الطبيعي الجغرافي والديموغرافي والتاريخي للبلدين، أما الوضع الجغرافي التاريخي الطبيعي، وفق جغرافيا وتاريخ البلدان، وبعيدا عن التسميات السياسية والتقسيمات الادارية التي يفرضها السلطان، بل وحسب نص مبايعة زعماء طرابلس الاولى لأمير برقة ادريس السنوسي في اجدابيا عام 1922، فإن دولة ليبيا تتكون من حيث الاساس من قطرين عربيين شقيقين وجارين هما طرابلس وبرقة اللذين دمجهما أولا المحتلون الاتراك العثمانيون لحقبة طويلة من الزمن تحت مسمى (إيالة طرابلس) العثمانية والتي لم تكن يومها قطعا دولة طرابلسية بل عثمانية/تركية وهي الإيالة ذاتها التي اقتطعها واختطفها بالقوة لاحقا قراصنة بني قرمانللي لحقبة من الزمن، ثم دمجهما ثانيا المحتلون الطليان تحت مسمى (ليبيا الايطالية) رسميا عام 1934 وجعلوها بثلاث ولايات إدارية (طرابلس وبرقة وفزان).
وأما (فزان) ففي الحقيقة هي جنوب القطر الطرابلسي تماما كما ان الكفرة والجغبوب هما جنوب القطر البرقاوي، هذه هي الحقيقة التاريخية والجغرافية بل والديموغرافية ايضا منذ القدم، فليبيا الايطالية، فليبيا العربية المليكة المتحدة، فالجمهورية فالجماهيرية، هي دولة مركبة بالأساس مثلها مثل المملكة المتحدة (بريطانيا) أو المملكة فالجمهورية اليوغسلافية أو تشيكوسلوفاكيا فهذه الدول من حيث الأساس دول مركبة من قطرين أو أكثر تم دمجها بفعل السلطان السياسي أو الاتحاد الطوعي في قطر واحد!.
هذه هي حقيقة تكوين ليبيا كدولة وكقطر عربي نشأ حديثا من دمج برقة وطرابلس في كيان سياسي واحد في خضم معاناة الطرابلسيين والبرقاويين حقبة الاحتلال الايطالي البغيض!، هذه هي الحقيقة، وبهذه الطريقة الموضوعية، علينا أن نفهم تاريخنا الوطني الحديث وظهور دولة ليبيا والقطر الليبي الذي لم يكن له وجود من قبل الطليان ولم يرد له ذكر كدولة او قطر وبلد في تاريخ البلدان ولا حتى الجغرافيا السياسية قبل احتلال ايطاليا لطرابلس وبرقة!!.
لابد من فهم هذه الحقيقة التاريخية كما هي كي يمكن لنا أن نفهم حاضرنا وواقعنا بشكل موضوعي وعلمي صحيح أولا ثم يمكن لنا ثانيا أن نبني مستقبلنا ودولة ليبيا الجديدة على أساس معرفي سليم لا على الخرافات الشعبية والجهل المركب والمزمن والأوهام الأكاديمية والرسمية التي باتت تقف كحجر عثرة امام عقولنا لفهم تاريخنا وحاضرنا!!!؟؟.
[١] ديموغرافيا ليبيا الايطالية 1934 تتركب من ثلاث شرائح من السكان وهم كالتالي: الليبيون الايطاليون وهم من يحملون الجنسية الايطالية واغلبهم مستوطنون طليان، الليبيون العرب، الليبيون اليهود !، ولم يذكر الايطاليون البربر كشريحة منفصلة عن العرب اذ أن مفهوم العرب في تلك الحقبة كان يرتبط في اذهان الكثير من الغربيين وحتى الكثير من البربر انفسهم مع مفهوم المسلمين، فالغالب عندهم ان المسلم عربي والعربي مسلم!.
[٢] لست متأكدا حتى الآن من صحة كون أن الايطاليين حينما اقاموا نظام الولايات الليبية الثلاث عام 1934 جعلوا القوس هو الحد الفاصل بين ولاية طرابلس وولاية برقة اذ أن قوس الاخوان فلييني لم يكن موجودا في ذلك الوقت بعد!!، فهو قد تم بنائه وافتتاحه عام 1937 بحضور موسوليني اي بعد اقامة نظام الولايات بعدة سنوات فكيف يكون هو الحد الفاصل؟!، أما الحد الطبيعي والعرفي المعروف منذ الفتح الاسلامي بين طرابلس وبرقة، حتى حسب كتب الطاهر الزاوي، فهي سرت.
[٣] يبدو أن السيد أحمد الشريف في اقامته في سرت حين فر من برقة بسبب استهداف الانجليز والطليان له عقب هجومه الفاشل على الانجليز في مصر أوائل عام 1916 والذي ورطه فيه الأتراك والألمان (المحور) اتخذ من سرت مقرا له باعتبارها أول حاضرة في القطر الطرابلسي من جهة الشرق بعد أن طلب منه السيد ادريس الابتعاد عن برقة لأن الانجليز يضغطون عليه لتسليمه لهم !، يعزز ذلك أن السيد سليمان الباروني الذي منحه السلطان العثماني لقب نائب السلطان والخليفة على طرابلس الغرب في حين احمد الشريف نائبه على برقة، يذكر الطاهر الزاوي في كتابه أبطال الجهاد أنه حينما جاء السيد صفي الدين السنوسي واستقر في سرت أرسل اليه السيد الباروني رسالة بصفته حاكم طرابلس الغرب ونائب السلطان العثماني الشرعي، دون أن يعترف له زعماء طرابلس بذلك!!، يسأله فيها عن سبب تواجده في سرت!؟، وهذا يؤكد أيضا أن الجميع في تلك الحقبة يعرفون ان سرت هي الحد الفاصل العرفي المعروف بين القطرين الشقيقين بل و الأرجح أنها تابعة لطرابلس الغرب لا لبرقة.