إننا يا ليبيا لن نخذلك، شعار رفع وردد كثيرا، ولا يزال كل طرف من أطراف الصراع الليبي يردده ويفسره من منظوره الخاص. إننا يا ليبيا لن نخذلك، شعار فهم بمفاهيم وتأويلات عديدة، دون اتفاق ذهني متقارب ومنطقي حول مفهوم واضح للوطنية وعدم الخذلان، يجمع الأضداد ويوحد الكلمة لصالح المجموع.
من الغرابة الإختلاف حول مفهوم الإصلاح، ولن نخون أي طرف هنا، بل سنفترض، حسن النوايا لدى الجميع. فلماذا بعدت الشقة إذاً حتى وصلت إلى الصراع المسلح والقتل والخطف والتهجير وكافة اشكال المعاناة؟
حيث أن لكل شئ بداية، لنراجع البدايات لعلنا نصل إلى نقطة الخلل، فنتوقف عندها ونراجعها. البداية كانت بشعارات الحرية، حق التعبير، الديمقراطية، التداول السلمي للسلطة، الممارسة السياسية وجميع المصطلحات الحديثة الوافدة إلى مجتمع لم يعهد ولم يعتاد التعايش بين أمواج المناورات السلمية للسياسة. جرعات سكبت إلينا عبرالقنوات الفضائية، ورددها الشباب عبر وسائل التواصل الإجتماعي في محاولات لتطبيقها على أرض جافة لم تعتد مثل هذه الممارسة السياسية وليس لها بها خبرة سابقة.
اعتياد العيش بدونها على مدار خمسة عقود وأكثر اذا اضفنا مرحلة الحكم الملكي لها، يعنى تبني خيارات ذهنية تواكب وتتماشى مع الموجود على الساحة السياسية، هذه الخيارات تنعكس بالضرورة على معظم الممارسات: الإجتماعية والمهنية والإقتصاد والتعليم؛ بحيث تأخذ جميعها نفس الأنماط السلوكية المتعايشة. بل ربما تجد فيها وبها الأمان المجتمعي وراحة الضمير المنشودة كرد فعل طبيعي وفطري للمشاركة ومحاولة الإصلاح.
ماحدث أننا رمينا بكل ذلك الإرث المتكون في تركيبتنا، بما فيه من نتائج قد تكون لها سلبياتها وفد يكون لها قدر من الإيجابيات لا ننكرها. رفضنا بناء مجتمعي متراكم بخيره وشره، وتبنينا قيم وافدة ليس لنا بها دراية ولا يتحملها اساسنا المختلف طيناً ولبنة.
تطبيق الديمقراطية وممارسة التنافس السياسي، تأتي كنتيجة لعمل دؤوب يستمر لسنوات طوال وتكون محصلة تدريجيه مع تطور تدريجي مرافق في كل الميادين العامه، ثقافية واقتصادية وسياسية، وأولها الإنسان القائمة به وله، لها بداية ومراحل نمو تتطور مع الوقت في نمو تدريجي ضمن عملية تصاعدية.
الوقوف في منتصف الطريق بين الجديد الوافد بمسميات عديدة من بينها التطوير، وبين القديم المتعايش الذي تشكلت به الهوية والذات وغرس في الأجيال وتعاقبت عليه لعشرات السنين، هو ما نبحث عنه.
المصالحة التي نحتاجها ليست مع أفراد أو جماعات معارضة أو مؤيدة، خضراء أو ملونه. إنها مصالحة مع المجتمع ككل، كوحدة واحدة لا تقبل التجزئة، البدء بالموجود ليكون لبنة واحدة متماسكة، لأنه يشكل اساس البناء.
حاول السياسيون في ليبيا تطبيق الحلول الديمقراطية، لكنها لم تنجح، وأوقعت البلاد في تخبط سياسي افقدها مقدراتها وأفسد نسيجها الإجتماعي وأدخلها في دوامة الحروب،وجميع سادة هذه الحروب، متمسك بما وصل إليه تحت ذريعة، إننا لن نخذلك. حققت بعض الأطراف السياسية مكاسب دائمة، جاءت من الشعب وعبر صندوق الإنتخاب، لكنها كانت المرة الأولى والوحيدة وتوقفت. لأنها لم تبرح مكانها ولم تلتزم بما تعهدت به من نطاق زمني ملزم كشرط أساسي للديمقراطية، تلونت هذه المكاسب بمسميات عديدة، وظلت في مكانها، بل ورسخت جذورها بتلوين الدائرة حولها بلونها الواحد. فشل الخيار الديمقراطي في إيجاد بديل مناسب يتولى دفة البلاد لبر الأمان. لماذا فشل؟ لأنه لم يبدأ بالإنسان الليبي و بالثقافة الليبية، المكون الأساس للمجتمع.
المصالحة الوطنية تتطلب البحث عن الخطاب الوطني الليبي المتوازن، نبذ الإعلام الداعي إلى الفرقة ونصرة فريق على أخر، تشجيع العمل الجماعي الشامل لكل الأطراف، إبراز الهوية الليبية والتركيز على إيجابياتها، رفض الخطاب الواحد الذي يدعو للفرقة وشق الصف، المطالبة بجيش ليبي واحد تحت اسم ليبيا له مهمة محددة واضحة ولا يتبع أية أطراف سياسية. أخذ عامل الوقت في الإعتبار دائما، فالإصلاح يبدأ ببذرة. تبني الخيار العلمي كمراكز الأبحاث والدراسات والإحصائيات العلمية لرصد حركة المجتمع وإتجاه التغيير. رعاية الديمقراطية كجنين ينمو ويزداد قوة مع نمو النضج المجتمعي. هذا إن اردنا بناء بلادنا، وصدقت النوايا نحو الوطن.