مقابلات وحوارات

الخال عمار الجماعي: الشعر الشعبي هو ضمير النّاس ومحمل هواجسهم ولسان حالهم ولواء حداثتهم

ليبيا المستقبل | 2023/01/20 على الساعة 20:15

ليبيا المستقبل (حوار/ حسن الأمين): عمار الجماعي، أو "الخال"؛ وهي الكنية التي فاقت شهرتها المكنى نفسه.. شاعر وروائي ومدون تونسي.. من إصداراته "الطريق إلى محتشد رجيم معتوق" (رواية)، و"برديات مريم" (رواية)، و"ترانيم الخال" (شعر).. صاحب حضور رشيق وأسلوب مخصوص على شبكات التواصل الاجتماعي يتابعه الآلاف من الرواد.. ملمّ، إلماما واسعا، بالمدونة الشعرية "الشعبية" في تونس وليبيا، وله مساجلات طويلة مع شعراء ليبيين.. التقته "ليبيا المستقبل"، وكان لنا معه الحوار التالي:

> الخال" كنية صارت أشهر من المكنى نفسه.. ما حكايتها؟

كنية" الخال" منتشرة في الجنوب الشرقي التونسي بكثرة والغالب في استعمالها أنّها صيغة تقدير وتوقير لمكانة خاصّة للموصوف بها. والحقيقة أنّي خال حقيقي لأكثر من ثلاثين من أبناء أخواتي الأربعة! ونساؤنا كما تعلمون ولودات مخصبات. هذا فضلا على أحفادهنّ فأصبحت كنية "الخال" الأكثر ترددا بين أهلي وعشيرتي. من جهة أخرى أنا من المعجبين بالزجّال المصري "عبد الرّحمان الأبنودي" الملقّب بـ"الخال" على عادة الصعايدة الذين  أعتقد أنّه بيني وبينهم وشيجة قربى دون أن أنسى علاقتي الدموية بقبيلة "الجماعات" بالشقيقة ليبيا.

> لروايتك "الطريق إلى محتشد رجيم معتوق" خصوصية وفرادة؛ فهي سرد توثيقي لفترة من تاريخ تونس والجامعة التونسية.. ما حكايتك مع رجيم معتوق؟ وهل ترى أن السرد الأدبي يوفي التوثيق حقه؟

لهذه الرواية قصّة وهي أنّي عثرت صدفة على مجلّة جامعية بُعيد الثورة التونسية تتضمّن ملفًا حول تجربة بعض الطلبة في "محتشد رجيم معتوق". وجدت فيما سرده بعضهم تقصيرا وربما مغالطات فآنست في نفسي ساعتها قدرة على بناء سرديّتي الخاصّة باعتباري أحد المجنّدين قسريا في الزمن البورقيبي. أمّا عن علاقة السّرد بالتاريخ فلي في هذا رأي جوهره أنّ الرواية هي الجنس الأدبي القادر على إعادة بناء التاريخ وترميمه وسدّ ثغرات كثيرة فيه لما يتيحه هذا الجنس من الكتابة، من استيعاب كلّ الأشكال الأدبية. ولهذا غامرت بأوّل نصّ أجرّب فيه بدايات التذكّر وأنا في مقهى منسي في العاصمة. لم أكن في الحقيقة أوثّق، كنت "أصفّي حسابا متخلّدا في ذمّة هذا البلد". 

> انتقلت من الرواية إلى الشعر.. ماذا تعني هذه النقلة؟ وهل ترى نفسك أقرب إلى موسيقى الشعر؟

حدث العكس تماما. بدأت شاعرًا فصيحًا دهرا طويلا ولكنّ ذاكرتي كانت تختزنُ قصائدَ طوالاً من شعرنا البدوي.. وأقول دائما أنّ الانتقال من الشعر إلى الرواية متاح وممكن لضيق نتبيّنه حين تضيق العبارة. غير أنّ العكس ليس موفّقا في أحايين كثيرة. نعم، نشرت روايتين هما "الطريق إلى محتشد رجيم معتوق" و"برديات مريم" قبل نشر ديوان "ترانيم الخال" ولكنّي لم أغادر الشعر أبدًا.

علاقتي بموسيقى الشعر ظاهرة في عنوان الديوان. فلست أرى الشعر خارج الموسيقى إلاّ أن يكون قولا ملقى على عواهنه. فما الشّعر إن لم يكن "ترنّما" وغناءً و"مَوْسَقةً" للشعور؟! أخبرنا بهذا الشّابي منذ "أغاني الحياة".

> أنت من المطلعين، اطلاعا واسعا، على المدونة الشعرية "الشعبية" في ليبيا.. كيف تقيّم هذه المدونة؟ وما الذي يضيفه الشعر "الشعبي" للثقافة؟

لا زلت أردّد على مسمع شعرائنا أنّ من لا يطّلع فهمًا وحفظا واستيعابًا لمدونّة الشعر"الشعبي الليبي" فلن يظفر بغير ترديد كلاسيكيات فقدت كثيرا من معاصرتها واحتبست في فضائها القديم.. وإنّي أجد في اجتهادات إخوتنا الشعراء في ليبيا جرأةً على التجاوز واقتدارا فذًا على التواصل في الآن نفسه. فأنت واجد في قصائدهم تأصيلا لمعجم البداوة وتجديدا فيه وابتكارًا لاستعارات جديدة. وباعتباري أحاول هذا النوع من  الشّعر وفي نفس الآن متحصّل على الماجستير في هذا الاختصاص وأعدّ رسالة دكتوراه في هذا الاختصاص الجديد - وهي الفريدة من نوعها في تونس - فإنّي  أرى أنّ ثقافةً عالمةً بدون "الثقافة الشعبية" هي ثقافة عرجاء لا يمكن أن تمثّل هوية الأمّة. الغرب في هذا سبقنا بأشواط بعيدة... الشعر الشعبي هو ضمير النّاس ومحمل هواجسهم ولسان حالهم.. ولواء حداثتهم أيضا.

> يتابع منشوراتك الآلاف على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك".. كيف تقيّم "ثقافة الافتراضي"؟ وهل لـ"الأدب السندويتش" عمق وتأثير حقيقي في إثراء المشهد الثقافي؟

من نوع ما أنشر وجدت متابعات كثيرة ربما تجاوزت ما توقعته لتوهّمي أنّي أغرّد خارج الأسراب كلها. وقد وجدت لما أكتب سواء في التحليل السياسي أو آراء في الأدب والثقافة أو نصوص إبداعية تفاعلا وانتشارًا وبالتالي تأثيرا صميما. وأزعم أنّ الوسائط الافتراضية "مدرسة" لمن فاته التمدرس ومنصّة "ديمقراطية" لمن فاتته الملتقيات والقنوات الفضائية التي لا تحتفي بغير الأسماء "المرضيّ عنها". سنكون خارج العصر إن لم نستغلّ هذا الفضاء لبناء ثقافة الشعب العميق.. أقصد الثقافة الحقيقية.

أتحفّظ هنا على عبارة "الأدب السندوتش" لأنّ الأدب عموما يقوم على عملية فرز وانتخاب طبيعيين. فما كان غثاءً وزبدًا  - وهو كثير في الحقيقة - فسيذهب جفاء وأمّا ما كان راسخًا في عمق الضمير فهو باق ومحفوظ.. والحفظ هو أهمّ فضائل هذه الأفضية.

> تمتلك قدرة جيدة على صياغة المقاطع الوصفية الممزوجة بالطرافة، وتحفظ الكثير منها.. هل تذكر شيئا من المدونة الشعرية الشعبية في هذا الباب تهديها إلى متابعي "ليبيا المستقبل“؟

واجبي أوّلا أن أحيّي مجلّتكم الغرّاء "ليبيا المستقبل" لما أتاحته لي من تواصل مع أهلي هناك وأتعطّر بعطرهم وأهديهم مقطعا شعريا في وصف الجواد. هذا الكائن المحبّب لكلّ عربي لا ينكر عروبته: 

سيري وما شادّك حدّ… ڨدا وين قلبِك يريده.

لا قياد في السّاق ينشدّ… ولا راسنك يا شريده!

لا سِير لا دير لا مْرَد ... ولا ركاب ينبش حديده

كان ريح ونسوم في الصّدّ… وإنتِ الفرس العنيده

العُرُف كي الغِثّ أربدْ… طايح رِبيده رِبيده

السّاق كي السّيف تِجبَد… زفوف الجّرايد غريده

والصّدر ملبوب وأسودّ... غيظ المكادة يكيده

لوذان والعين والخدّ... تماثيل ريم السّميده

ويش فكّرَك توّ في الڨدّ… وايش حرّفك يا قصيده؟!

ڨدا وين الأسهام تَنفدّ... وفي وين تسرز وڨيده!

أكتم عوافيك وانهدّ... وخلّي المعاني بعيده..

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل