فنون وثقافة

خواطر خاطرة.. ضعه على الجرح

محمد نجيب عبد الكافي | 2023/07/12 على الساعة 15:14

يقول مثلنا الشعبي في وصف امرئ بالكمال، والكمال لله "حطه على الجرح يبرى". ضعه فوق الجرح يبرئه ويشفيه. أقولها أنا الآن متحدثا عن صديقنا المرحوم محمد الفقيه صالح -تغمده الله برحمته وغفرانه وأسكنه فسيح وجميل جنانه-. ليس قولي هذا من باب "اذكروا موتاكم بخير" بل تذكرة وذكرى رجل سلم الناس من يده ولسانه، فكان أثابه الله مثال التقوى والصلاح، أمثولة وقدوة في السلوك والصداقة، ديدنه الأدب والشعر الذي اقتحمه فأعطى وأمتع وأفاد. لكنه رحمه الله كان مؤهلا فطريا للنقد قبل الشعر. لكنه تحاشى النقد، خشية جرح أو إيلام أي كان بنقده -حسب رأيي وفهمي الخاص طبعا- لكن فقدنا فيه الناقد المؤهل فطريا لذلك، إذ هو حتى في أحاديثه العادية يسأل أسئلة الناقد الذي يبحث عن الجزئيات والتفاصيل ليبرهن ويؤكد. فاتحته في الأمر وألححت لأني كنت واثقا من أنه سيبدع في مجال خال لدينا من أي عارف خبير. 



فالنقد لدينا أسميته نقدا صحفيا، بما في الصحافة من حيطة وحذر. أما محمد الفقيه صالح غفر الله له، فكان في أبسط الأشياء يسأل عن كل ما له علاقة بالموضوع من جزئيات ولزوميات. ليته اتبع نصيحتي لأنه لو فعل، لا شك في أنه كان يعطينا، والجمع يشمل العرب والعربية، فرصة الحصول على مبعث النقد الصريح الموفق الذي نفتقده عموما. النقد المبني على أسس علمية وطرق فنية لابد منها، لا ما نقرأه باستمرار، وهو أقرب إلى اللوم والعتاب من قربه من النقد البناء المهذب، ولو أضاف الناقد هذه الصفات لما يكتبه وينشره، لأنها غالبا ما تكون مفقودة. النقد ليس لوما ولا عتابا، بل هو فن وعلم له قواعده وشروطه، ليس بإمكان أي كان، بل له أخصائيون يتمتعون بنظرة ونفسية تساعدان على البناء الصحيح والتكوين الجيد. 

وفقيدنا رحمه الله، كان مهما بسُط الموضوع، اعتبره مهما، وسأل عن سببه وزمانه ودواعيه، وغير هذه كثير، لا لشيء سوى إرضاء شغفه واستجابة لفكره النقدي. رحمك الله يا محمد وغفر لك. لو استجبت لطلبي لسددت نقصا نعانيه، وأعطيت مثالا يقتدى به ويحتذى، نحن له في حاجة ماسة وفقر شديد. لكنك أبيت ورفضت، غفر الله لك، فبقي المجال فضاء قوقعا، خال من النقد العلمي الصحيح المفيد. لو فعلت نجحت، وهو ما كان ولا يزال في رأيي مؤكدا، لسننت سنة نتبعها ونرعاها وفي ذلك لأدبنا وكل إنتاجنا الفكري خير عميم. لأن وجود الناقد الحقيقي، العارف علميا وتخصصا، من مكملات الإنتاج الفكري وما يخطه القلم، يهذبه، ويحسنه، ويرد عنه الخطأ، فيأتي متقنا سليما. سامحك الله يا محمد ورحمك وغفر لك، وأسكنك فسيح جنانه، التي أعدها الله لأمثالك المتقين، العاملين، الصالحين، الذين أحبوا العلم والثقافة وعملوا بهما وفي سبيل نشرهما ما استطاعوا.

محمد نجيب عبد الكافي
مدريد، في 7-6-2023
 

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل