فنون وثقافة

"تغريبة القافر" أول رواية عمانية تتوج بالجائزة العالمية للرواية العربية

ليبيا المستقبل | 2023/05/22 على الساعة 18:35

ليبيا المستقبل (صحيفة العرب اللندنية): أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية مساء الأحد الحادي والعشرين من مايو 2023، بالتزامن مع افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب، عن فوز رواية "تغريبة القافر" للكاتب العماني زهران القاسمي بالجائزة في دورتها السادسة عشرة.

وبتتويجه يصبح القاسمي أول كاتب عماني ينال هذه الجائزة التي تعتبر الأكثر شعبية وأهمية بين عموم القراء والكتاب والناشرين والمتابعين، والتي باتت بمثابة مقياس لسوق الرواية العربية اليوم.

> الماء والأسطورة

قال محمد الأشعري، رئيس لجنة تحكيم الجائزة، "اختارت لجنة التحكيم رواية تغريبة القافر’ لزهران القاسمي للفوز بالجائزة، لكونها اهتمت بموضوع جديد في الكتابة الروائية الحديثة وهو موضوع الماء في علاقته بالبيئة الطبيعية وبحياة الإنسان في المناطق الصعبة. وقد قدّم الكاتب لنا هذا الموضوع من خلال تآلف مستمر بين الواقع والأسطورة، ويفعل ذلك من خلال بناء روائي محكم ولغة شعرية شفافة ومن خلال نحت شخصيات مثيرة تحتل دورا أساسيا في حياة الناس وفي نفس الوقت تثير نفورهم وتخوّفهم. وقد استطاع الكاتب أن يقرّبنا من مسرح غير مؤلوف للرواية المتداولة في الوطن العربي، هو مسرح الوديان والأفلاج في عُمان وتأثير العناصر الطبيعية في علاقة الإنسان بمحيطه وبثقافته".

وقال ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية، "تنبع رواية "تغريبة القافر" من بطن بيئتها القروية العمانية التي تعيش حياتها بإيقاع يهيمن عليه الماء بمخاطر الشُحّ والإغداق الذي لا يذر. تعايش هذه الرواية شخصية القافر الذي انتُشل وليدا من رحم الماء، وعاش حياته يرصد مساراته في أحافير الأرض في مجتمع تعشعش فيه الأساطير التي يستخدمها في سبر علاقته بمحيطه البيئي والبشري. يميز هذه الرواية سردها الانسيابي انسياب الماء بإيقاعها الشاعري الذي يطلوه حلاوة ورشاقة حملت في ثناياها محليّة عذبة تتعايش مع فصاحة السرد بوئام".

تدور أحداث الرواية في إحدى القرى العُمانية وتحكي قصة سالم بن عبدالله، أحد مقتفي أثر الماء، تستعين به القرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية. تقع أحداث الرواية في عالم الأفلاج، النظام الفلاحي لريّ البساتين، المرتبط بالحياة القروية في عُمان ارتباطا وثيقا، الذي دارت حوله الحكايات والأساطير.

 ويطرح الكاتب سؤالا مهما على القارئ: ماذا لو أن هذه المادة التي تمنح الحياة للكائنات هي مصدر لموتها أيضا من خلال ندرتها أو فيضانها؟ ارتبطت حياة القافر منذ ولادته بالماء، فأمّه ماتت غرقا، ووالده طُمر تحت قناة أحد الأفلاج حيث انهار عليه السقف، وينتهي القافر سجينا في قناة أحد الأفلاج ليبقى هناك يقاوم للبقاء حيا. تغريبة القافر رواية تعيد للراوي وظيفته الأولى وهي ريّ الناس وإشباع ظمئهم.

وحول دلالات روايته صرح زهران القاسمي أن الإنسان عبر العصور ارتبطت إقامته على الأرض ارتباطا كبيرا بالماء، لذا نجد أن كبرى الحضارات قامت على ضفاف الأنهار، وأن علماء الأنثروبيولوجيا يؤكدون أن بداية الحياة على سطح الأرض بدأت من الماء.

وأضاف أن الدلالة الأخرى للرواية هي أن الماء مورد من موارد الطبيعة وأن التبذير فيه وعدم استخدامه الاستخدام الأمثل سوف يؤدي إلى نضوبه، وهذه رسالة في غاية الأهمية للنظر إلى موارد طبيعية تقوم عليها الحياة واستقرار الكثير من الدول أن تنظر في طريقة استهلاكها.

وتابع "أيضا وكما توسع في ذلك الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، فالماء أكثر من كونه مادة لري العطش، فهو المرآة الأولى التي أغوت نرسيس وجعلته يرى ذاته، فهو الذات السائلة والأنا العميقة التي نقع في حبها ونسعى لامتلاكها وقد يكون ذلك فيه الهلاك، إلا أننا نذهب بعيدا لها".

وولد زهران القاسمي في ولاية دماء والطائيين في سلطنة عُمان عام 1974، وهو شاعر وروائي، صدرت له أربع روايات "جبل الشوع" (2013)، "القنّاص" (2014) الحاصلة على جائزة الإبداع الثقافي من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء عام 2015، "جوع العسل" (2017) و"تغريبة القافر" (2021)، بالإضافة إلى عشرة دواوين شعرية ومجموعة "سيرة الحجر 1" (قصص قصيرة 2009) و"سيرة الحجر 2" (نصوص 2011).

> القائمة القصيرة

وعبر الأشعري عن سعادته البالغة أن تكتشف لجنة التحكيم ضمن الأعمال الـ124 القادمة من كل بلدان العالم العربي تجارب مدهشة منصتة لأصوات اليومي والتاريخي والسياسي والتراثي مشتبكة مع أحداث الواقع وتلويناته والمتخيل. وقد عكست هذه الأعمال تعدد العالم العربي وما يختلف فيه وما يشترك فيه بخصائصه الثقافية وذاكرته، كما عكست تطلعات هذه الجغرافيا إلى احترام تعدديتها وترسيخ قيم الحرية والتقدم، وما أعمال القائمة القصيرة إلا تجسيد لهذا الحضور الأدبي والقضايا المرتبطة به.

ورأى الأشعري أن الكتابة العربية اليوم مسكونة بأسئلة الحاضر ومهتمة بخصوصيتها كإبداع أدبي، وعبر عن سعادته البالغة بتطور النصوص والحضور القوي للروائيات هذه السنة.

كانت الجائزة قد أعلنت مطلع مارس عن روايات القائمة القصيرة لدورتها السادسة عشرة، وهي إضافة إلى الرواية المتوجة، روايات "منا" للصديق حاج أحمد، و"حجر السعادة" لأزهر جرجيس، و"كونشيرتو قورينا إدواردو" لنجوى بن شتوان، و"أيام الشمس المشرقة" لميرال الطحاوي، و"الأفق الأعلى" لفاطمة عبدالحميد.

وضمت القائمة القصيرة لدورة الجائزة العالمية للرواية العربية السادسة عشرة ثلاث كاتبات وثلاثة كتاب من ستة بلدان عربية، تتميز رواياتهم بالتنوع في المضامين والأساليب وتعالج قضايا راهنة وهامة.

وشهدت الدورة الحالية من الجائزة وصول كاتبتين سبق لهما الوصول إلى القائمة القصيرة، وهما نجوى بن شتوان عن "زرايب العبيد" في العام 2017 وميرال الطحاوي عن "بروكلين هايتس" في العام 2011. كما وصل أزهر جرجيس إلى القائمة الطويلة في العام 2020 عن روايته "النوم في حقل الكرز"، فيما ترشح ثلاثة كتاب إلى المراحل النهائية للمرة الأولى، وهم الصديق حاج أحمد، وفاطمة عبدالحميد، وزهران القاسمي.

وقال محمد الأشعري في تعليقه على الروايات المتنافسة "تتميز القائمة القصيرة لهذه السنة (2023) بتنوع كبير في المضامين، فمن تفسخ مجتمع ما بعد الحرب والصراعات الطائفية، ووقوع عبء هذا التفسخ على الطفولة وعلى البسطاء من الناس، كما في رواية ‘حجر السعادة’، إلى أسطورة الماء وتجلياتها في ذاكرة الناس ومخيالهم الجماعي كما في رواية ‘تغريبة القافر’.

ومن عوالم الهجرة وتقلبات الإنسان بين أعطاب المكان الأصل وعنف مكان النزوح، كما في رواية ‘أيام الشمس المشرقة’، إلى صراع الإنسان مع الظلم والاستبداد السياسي الذي لا يغلق باب جحيم الحاضر حتى يفتح باب جحيم المستقبل، كما في رواية ‘كونشيرتو قورينا إدواردو’. ومن أهوال اللقاء مع الموت والحب ومع تقاطعاتهما الدائمة، كما في رواية ‘الأفق الأعلى’، إلى عوالم الصحراء بين جنوب الجزائر وشمال مالي، عندما يحولها الجفاف والمجاعة والوضع القبلي إلى مرآة تعكس جبروت الصحراء وهشاشتها في آن، كما في رواية منا’. ومع هذا التنوع في المضامين، فإن القارئ سيلتقي في هذه الروايات بكل تجليات الرواية العربية الحديثة، في بناءاتها، وخصائصها السردية، وفي أساليبها وتعدد أصواتها ولغاتها".

وقال ياسر سليمان، رئيس مجلس الأمناء، "تحفر روايات القائمة القصيرة لهذه الدورة في خبايا الحياة العربية بتنوعاتها الإثنية وتنغيماتها الثقافية المتداخلة، لتسبرها من زوايا تعكس الحنين إلى الماضي في بعض الأحيان، وتبدد الآمال والأحلام في حيوات عربية حطمتها السياسة، وظروف الحياة القاهرة في أحيان أخرى على مستوى الفرد والجماعة. يميز هذه القائمة تنوعها الجندري، وبروز أصوات روائية غير مكرسة على الساحة الأدبية العربية، مما يدل على حيوية الحياة الثقافية العربية على الرغم من كل المعوقات التي تواجهها".

وتكونت لجنة تحكيم الجائزة من خمسة أعضاء، برئاسة الأديب والروائي المغربي محمد الأشعري، وبعضوية كل من ريم بسيوني، أكاديمية وروائية مصرية، وتيتز روك، أستاذ جامعي ومترجم سويدي، وعزيزة الطائي، كاتبة وأكاديمية عُمانية، وفضيلة الفاروق، روائية وباحثة وصحافية جزائرية.

ويذكر أن الجائزة العالمية للرواية العربية هي جائزة سنوية تختص بمجال الإبداع الروائي في اللغة العربية، ويرعى الجائزة حاليا مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما تحظى بدعم من مؤسسة جائزة بوكر في لندن. وتهدف الجائزة إلى مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر، والترويج لهذا الأدب عالميا من خلال ترجمة الروايات الفائزة، والتي وصلت إلى القائمة القصيرة، إلى لغات رئيسية أخرى ونشرها.

صحيفة العرب اللندنية، 22 مايو 2023

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل