ليبيا المستقبل (الحبيب الأسود - العرب اللندنية): لا تزال ليبيا التي أنهكتها سنوات الحرب بلد المبدعين والفنانين؛ فهم وإن ابتعدوا قليلا عن النشاط الفني وقلّ إنتاجهم يظلون حاضرين دائما في تاريخ ليبيا الفني، ومنهم من يقاوم ليبقى بإنتاجه الخاص.
كما يظل الفنانون العرب ممن احتضنتهم ليبيا في بداياتهم أوفياء لها، وكل هؤلاء اجتمعوا مؤخرا في مهرجان الإبداع في دورته الأولى التي كرمت ثلة من خيرة الفنانين والمبدعين الليبيين والعرب.
اجتمع العشرات من الفنانين الليبيين والعرب في العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة في سياق مهرجان ليبيا للإبداع الذي تواصل لمدة ثلاثة أيام وتم اختتامه آخر الأسبوع الماضي بحفل كبير شهد تكريم عدد من صانعي الأغنية الليبية خلال 50 عاما، وبالتحديد في الفترة الممتدة من 1950 إلى 1990.
وفي الإجابة التي قُدّمت إلى من تساءلوا عن الجدوى من تنظيم مهرجان ليبي في مصر، قال رئيس الدورة إسماعيل الشتيوي "مصر صاحبة ريادة في تنظيم المهرجانات، وليبيا ومصر منذ الأزل بلد واحد، كما أننا نهدف إلى مخاطبة شعوب الوطن العربي كافة".
وأضاف أن "مخاطبة العرب تستوجب الانطلاق من مصر باعتبارها عاصمة للإشعاع الثقافي والإعلامي ولديها أكثر من 100 قناة تلفزيونية تبث من أراضيها".
وأكد الشتيوي، وهو رجل أعمال معروف، أن الهدف من إقامة المهرجان هو "إنعاش الذاكرة الوطنية في ظل الأزمات المتلاحقة التي عرفتها ليبيا خلال السنوات الماضية، وجمع شمل المبدعين الليبيين ممن كان لهم دور كبير في تشكيل الوجدان الليبي بالأغنية الأصيلة من حيث الكلمة واللحن والأداء”، مضيفا أن “المدونة الغنائية والموسيقية الليبية عموما تمتاز بثرائها وأصالتها ولا تزال تقوم بدورها في إذكاء روح الانتماء لدى الشعب الليبي الواحد رغم محاولات التفرقة التي برزت خلال السنوات الماضية".
وأوضح الشتيوي أن الدولة المصرية قدمت له كافة التسهيلات والإجراءات المناسبة لإنجاح مهرجان ليبيا للإبداع، مشيرا إلى أنه يثق في أن المهرجان سيتواصل من خلال دورات جديدة بشكل منتظم وبدورية سنوية لتكون مناسبة لجمع شمل الليبيين من كافة مناطق البلاد، مردفا أنه مستمر في إطلاق كل ما يحافظ على الهوية والتراث الليبي خاصة والمصري والعربي عامة.
وقام الشتيوي بتأمين تكاليف المهرجان الذي تضمن النقل والإقامة والإعاشة والتنظيم بصفة عامة وتكريم الفنانين وتمكينهم من هدايا تذكارية، وهو ما جعل المراقبين يتساءلون عن دور المؤسسات الحكومية في مثل هذه التظاهرات التي باتت تخضع لمبدأ المبادرة الفردية.
وشهد المهرجان تكريم أكثر من 50 فنانا من بينهم محمد الصادق ومحمود الشريف ومحمود كريم ونوري كمال وعبدالله الأسود وتونس مفتاح وموسى المشاي وإبراهيم فهمي وفاطمة أحمد وإبراهيم حفظي وسيف النصر ومراد إسكندر وعادل عبدالمجيد.
كما تم تكريم الفنان الكبير الراحل محمد حسن، والفنان سلام قدري، والملحن الراحل كاظم نديم، والشاعر الكبير عبدالله منصور، والشاعر الغنائي يونس بن نيران، والفنانين محمد السليني وموسى المشايخ وناصر المزداوي وراسم فخري ورمضان كازوز وغيرهم.
وكان من نجوم حفل الافتتاح الفنان ومدير مهرجان القاهرة السينمائي حسين فهمي الذي قدم مع دي جي الحفل فقرة موسيقية بحضور المطرب محمد الحلو ومدحت صالح ومصطفى كامل وعايدة رياض والممثل الأردني منذر رياحنة، ونهال عنبر وعزة لبيب وخالد محمود ومادلين طبر ووفاء مكي، وهند عاكف وإيمي طلعت زكريا وإسراء الصابوني وكلوديا حنا وعمرو يسري.
وشارك في المهرجان عدد كبير من نجوم المسرح والتلفزيون والإذاعة والإعلام الليبيين ومن صانعي المحتوى والنجوم الشبان في المجال الموسيقي، سواء من المقيمين في مصر أو ممن انتقلوا من طرابلس وبنغازي إلى القاهرة، وهو ما شكلّ استعراضا بهيجا لوحدة المشهد الثقافي والإعلامي الليبي الذي لا يزال يمر بظروف صعبة على مختلف الأصعدة منذ العام 2011.
كما دعا المهرجان عددا من الفنانين العرب الذين انطلقوا في تجاربهم الفنية من ليبيا أو كانت لهم علاقة وطيدة بالساحة الغنائية الليبية ومن بينهم المغنية التونسية نوال غشام التي كان لها حضور مهم خلال تسعينات القرن الماضي من خلال العشرات من الأغاني التي كتبها لها خصيصا الشاعر عبدالله منصور ولحنها عدد من كبار الملحنين البارزين، ثم كانت لها أعمال مع الشاعر علي الكيلاني.
وكانت ليبيا قد احتضنت عددا مهما من الأصوات العربية وفي مقدمتها الفنانة السورية أصالة نصري التي كانت تقدم الأغاني والأناشيد الوطنية الليبية منذ ثمانينات القرن الماضي، والفنانة أمل عرفة التي بدأت مسيرتها من خلال أعمالها في طرابلس كأغنية "دونك جوبة" و"لوكان الزمان ينسّي" مع الفنان السوري فهد يكن الذي اعتزل الغناء في العام 1991 واتجه للإقامة في السعودية حيث يعمل مهندس ديكور.
وترى إدارة المهرجان أن هناك جملة من الأهداف التي يسعى إلى بلوغها ومنها جمع تراث الموسيقى الليبية منذ بدايات القرن العشرين للحفاظ عليه وتقديمه للأجيال القادمة وضمان الحقوق الأدبية لأصحابه خصوصا في ظل حالة النهب الممنهج الذي يتعرض له، حيث بات من المعتاد أن يقوم ملحنون ومغنون بسرقة الأغاني الليبية وتقديمها على نطاق واسع دون ذكر أسمائها الحقيقية، بل إن هناك من الفنانين من بلغ مرتبة النجومية بأعمال منهوبة من الإنتاج الفني الليبي.
ويجمع أغلب الفنانين الليبيين على أهمية التظاهرات الكبرى في جمع شتاتهم وتقريب المسافات بينهم وتحقيق المصالحة والتواصل بين الأجيال وفي الدفع نحو إعادة الحياة للفن الليبي، وخاصة مجال الأغنية الفسيح الذي يحتاج إلى الإنعاش والإسناد عبر دعم الإنتاج والترويج الإعلامي وحماية حقوق المبدعين.
ولا تزال الأغنية الليبية ذات دور ريادي في توحيد الليبيين وقطع الطريق أمام دعاة التجزئة والتقسيم، وقد ساهمت في الحفاظ على روح الأصالة والانتماء إلى الوطن الواحد، وخاصة أعمال الفنان الكبير محمد حسن التي لا تزال تحتل صدارة المتابعة والاهتمام بمعانيها الوطنية والإنسانية وثوابتها الثقافية والاجتماعية الراسخة.
الحبيب الأسود (كاتب تونسي)
صحيفة العرب اللندنية، الخميس 2023/05/18