"رمضان في عيون المبدعين".. زاوية نطل، من خلالها، كل يوم، على أجواء رمضان ونفحاته بعيون أهل الأدب والفن ورفاق الحرف وفرسان القلم. "رمضان بعيون المبدعين".. قطائف ولطائف وأزهار فواحة من بساتين الكلم ومروجه، على امتداد أيام الشهر الفضيل.
خاطرة اليوم يقدمها الكاتب الصحفي/ مهنّد سليمان..
إن الحديث عن شهر رمضان المُعظّم يُضيء جبينك بالذكريات جملة وتفصيلا حتى يزدحم طريق الضوء بالمحبة. رمضان شهر المكرمات فمع قرب هذا الشهر الفضيل تتوق النفس لمعانقة فضائله طوال مدة ثلاثين يوما يشتد فيها الوصال مع ذواتنا، وكأن الله أراد لنا أن نقف إزاء صفحة نهر لنُبصر انعكاسنا على أديمه. شهرٌ كامل تتبدل فيه دورة الحياة، وتأخذ الأيام إيقاعها الآخاذ فكل شيئ يُكتسى بحُلة جديدة، ومختلفة بطقوسه الاستثنائية لاسيما حين تتحقق سانحة لا تتكرر كثيرا حيث ننفذ من خلال جعبته الملآة بيقين الروح نحو ذاكرتنا البعيدة، وملامح أمسنا الذي كاننا وكنّاه، الطفولة المُبتعدة تدنو من مِحراب صلواتنا تدق الأجراس في خطواتنا، وتُبلل جباهنا بمياه البراءة الأولى.
المشهد يطرق بابك بنداء الأمهات المشفوع بالمحبة وألسنتهن التي تلهج بالتضرع والدعاء طلبا لصلاحك في الدنيا والآخرة. يُذكّر طفولتك بالمران الأعظم على مشقة الصوم صغيرا واكتشافك للذة الجوع باكرا، ومما يحضرني في هذا السياق المفعم أنّي كنت ممن تقع مشهدية الكعبة المشرِّفة، ومهابة ارتفاعها في نفسي موقعا مدهشا أيّما دهشة ما جعلني أحرص على الالتزام بالصوم ولكن بتوقيت المعتمرين والعابدين في الأراضي المقدسة، فمتى ما ارتفع آذان صلاة المغرب ألقاني منكبا على تناول حبات التمر المغمسة ببياض الحليب تحت تأثير انفعال غريب يستحوذ على خلجات نفسي ويسافر بي إلى هناك على متن ضحكات أمي المختلطة بزهو نظراتها إليّ، أيّة ريح عطرة يسوقها هذا الشهر الفضيل في طياته تُشعرك بأصالة الأمكنة ونبض خطوكِ عليها، فلكل توقيت خصوصيته وفرادته التي تحفظ لأفئدتنا توازن محبتها.. وكل عام وجميع الأصدقاء والأحباء بخير.
مهنّد سليمان
السبت 3 رمضان 1444هـ - 25 مارس 2023
السقيفة الليبية (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
- راجع الحلقات السابقة (هنا)