بدأت أحياء الصفيح في أطراف المدينة تتسع وتتمدد حتى حاصرت وسط المدينة الايطالي من كل الجهات: الفاسكة.. والكاوة.. والعلوة.. ومجرى السيل من لوز افحيمه الى جهة الشرق (داخلي البنات القديم) حتى كادت تشكل طوقاً من الصفيح والعشوائيات...
وكان (السيلس) ذلك الصرح العالي يبدو من بعيد كأنه ديناصور ضخم في قلب المدينة الغافية. يمكن أن تراه من أي زاوية. لا أحد يستطيع أن يتخيل البيضاء بدون السيلس...
عند تخوم المدينة كانت البيوت الصفحية متلاصقة جدأ، وامام كل بيت يوجد (خن) للدجاج وحزمة حطب مركونة عند الطرف، تعودت نساء الحي على تربية الدجاج والعناية بها، وكثيراً ما حذرتنا عمتي (حواء) من الاعتداء على البونية وسرقة البيض. وقالت أن من يسرق (الراقوبة) يدخله الله مباشرة إلى النار دون حتى سؤال واحد. ورغم ذلك كنا نسرقها بكل ضمير مستريح.
الراقوبة عبارة عن بيضة واحدة تترك في الخن يستدل بها الدجاج على المكان المحدد حتى لا تبيض في مكان آخر في كل خن توجد راقوبة.
كانت عمتي حواء تملك ديكٌ ضخم (الحنزيلة) حجمه كبير وريشه ملون لامع. ديك مستفز، يسير على مهل يتمايل له عُرف يغطي نصف وجهه، فقد صوته، عندما حاول أحدهم سرقته ذات مساء. اطلق صياحاً قوياً فحاول السارق خنقه لكن عمتي حواء جاءت في الوقت المناسب وهرب السارق اما الديك صار يطلق صوتاً يشبه النحيب فلم يعد صالحاً لإيقاظ الناس.
عند المغرب يقفز الديك فوق حزمة الحطب مراقباً دجاجاته وهن ينقرن التراب ويتصارعن على جثة (بومقص) ممددة على الطريق.
كانت الدجاجات تتودد للديك وتطلب رضاه ووده. وكان يعطي الاوامر عن طريق تحريك رأسه. لقد كان ديكٌ أبكمٌ فقد أهم صفاته لكنه مازال يحكم...