بسم الله الرحمن الرحيم…
السادة القائمين على فضاء بيت نويجي للثقافة...
الحضور الأكارم…
أحييكم، وأرحب بكم أحر الترحاب، في هذه الأمسية الدافئة التي تنظمها "السقيفة الليبية" بوابة موقع "ليبيا المستقبل" الثقافية.
في أول نشاط من هذا النوع، احتفت السقيفة، في الـ12 من سبتمبر من العام المنقضي، بالأديبة الليبية عزة كامل المقهور، بالعاصمة التونسية.. وتعهدنا، حينها، بأن نحول هذا النشاط إلى تقليد دوري للاحتفاء برموز الثقافة الليبية وأعلامها، وها نحن نوفي بوعدنا.
نلتقي اليوم، في فضاء ثقافي داخل الوطن وفي قلب المدينة العتيقة بطرابلس حيث عبق التاريخ ولمسات الأصالة، لنحتفي برمز من رموز السرد الأدبي الليبي الذي تجاوز المحلي إلى العربي والعالمي.. فمرحبا بالأديبة الروائية عائشة إبراهيم ضيفة مبجلة على "السقيفة الليبية"، والشكر، كل الشكر، للقائمين على بيت نويجي للثقافة الذين لم يترددوا، لحظة، في تسخير هذا الفضاء الجميل لتنظيم أمسيتنا.
قديما، قال أبوحيان التوحيدي، في "الإمتاع والموانسة"، إ§ن "الكلام على الكلام صعب".. لذا، قد لا أوفي نصوص عائشة إبراهيم حقها وأنا أتحدث عن "العالم ينتهي في طرابلس"، و"قصيل"، و"حرب الغزالة"، و"صندوق الرمل".. بيْد أني أجزم برفعة هذه النصوص وأنا أتابع عشرات المقالات النقدية من نقاد جادين يفككونها ويؤولونها ويستكشفون أغوارها ويشيدون بها على امتداد المشهد الثقافي العربي، كما أراها تحوز مواقع متقدمة في المسابقات الأدبية العربية الكبرى.
في حوار أجري معها، منذ مدة، وصفت عائشة إبراهيم روايتها "صندوق الرمل" بأنها "تجربة مؤلمة تورطت فيها قبل أن أبدأ بكتابتها وكان لابد أن أكتبها".. بهذه الجملة المكثفة تضع أديبتنا إصبعها على موضع الألم الملهم في الأدب حين يوثّق، بأسلوب إبداعي فريد، الآلام والآمال ومرارة الواقع وفواصل الفرح، وحين يقتنص لحظات الضعف والإحباط والاستسلام وقرارات الصمود والمقاومة والنهوض.. باختصار: الأدب من الإنسان وعن الإنسان وللإنسان.. ألم يقل الأديب التونسي الكبير محمود المسعدي "الأدب مأساة أو لا يكون".
من هذا المنطلق شكلت الأعمال السردية لعائشة إبراهيم، وإن لم تقرَّ صاحبتها بذلك جهرة، توثيقا للإنسان والمجتمع والتاريخ الليبي، وإن كان أهل الإبداع الأدبي لا يستسيغون، كثيرا، مصطلح "التوثيق".. ولذا، نرى أن "التوثيق" في أعمال عائشة إبراهيم، ومن بينها "صندوق الرمل"، شكّل قيمة مضافة راكمت النفس الإبداعي والبعد الإنساني ومنحت سردها خصوصية ومتانة وجذرته في بيئته الليبية وتاريخها وفتحت أمامه أبواب الانتشار، عن جدارة، عربيا وعالميا.
لا نريد لهذا التقديم أن يتحول إلى مقال نقدي، فهذا دور أساتذتنا الأفاضل الحاضرين بيننا، وهم الأعلم في هذا الباب، غير أن أعمال عائشة إبراهيم من البدايات وحتى "صندوق الرمل" تستحق الإشادة بشهادة النقاد وباعتراف القائمين على المسابقات والجوائز الأدبية الكبرى.
كما لا يفوتنا أن نشير، في هذه المناسبة الجميلة، إلى خصوصية أخرى لعائشة إبراهيم الأديبة والروائية القادمة من خارج الاختصاص الأكاديمي.. لم تكن عائشة ابنة مدارج كليات الآداب واللغات، إذ هي قادمة من خلفية دراسية عمادها معادلات الرياضيات ولغة الأرقام، غير أن ذلك لم يحل دون أن تقتحم ميدان الأدب وتبدع فيه وتحجز لنفسها مكانة وتنحت اسمها ضمن أدباء ليبيا الذين تجاوزوا المحلي إلى العربي والعالمي.. فهي في هذا الباب لا تقلّ عن الأدباء الكبار المهاجرين من الطب والهندسة والتقنية أمثال علاء الأسواني ومحمد المنسي قنديل ونوال السعداوي ويوسف إدريس وعبد الرحمن منيف ومصطفى محمود.
الحضور الأفاضل…
قد يكون المشهد الليبي، في بعض وجوهه، محبط وموسوم بكل ما يحيل إلى السلبية، وقد تكون الرؤية غائمة، غير أن نقاط ضوء كثيرة لاتزال قائمة، أهمها الثقافة وأهلها، ولا أدل على ذلك من هذه المعارض والندوات والمحاضرات التي لا تخلو منها مدينة من مدن ليبيا، ولعل هذه المناسبة الدافئة التي تجمعنا، اليوم، مشعل آخر نساهم به، جميعا، في تبديد الظلام وإنارة الدرب ونحت مستقبل أفضل.
سادتي الكرام…
منذ إنشائها، أخذت "السقيفة الليبية" على عاتقها خدمة الثقافة والمثقفين في ليبيا ونشر أخبارهم وتثمين إبداعاتهم والتعريف بها.. وبإمكانياتها المتواضعة تمكنت من أداء بعض من رسالتها، ومازال أمامنا الكثير لنفعله.
نجدد الوعد بأن يستمر هذا النشاط بشكل دوري، ولا يمكننا الإيفاء بالوعد إلا بمثل هذه القامات الرائدة الحاضرة بيننا، اليوم، من أدباء وفنانين ونقاد وأكاديميين وإعلاميين ومدونين ونشطاء ومهتمين.. فشكرا وباقات ورد لهم جميعا.
أجدد الترحيب بكم جميعا، كما أجدد ثنائي على القائمين على بيت نويجي للثقافة، ولا يفوتني التعبير عن بالغ الامتنان لأستاذنا الناقد يونس الفنادي الذي يتولى تقديم هذه الندوة، ولكل من ساهم، بكل كبيرة وصغيرة، في الإعداد لهذا النشاط.
بارك الله فيكم.. حفظكم الله ورعاكم.. حفظ الله ليببيا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حسن محمد الأمين
مؤسس ومدير منصة السقيفة الليبية – بوابة ليبيا المستقبل الثقافية
- راجع: "السقيفة الليبية" تحتفي بأعمال الأديبة الليبية عائشة إبراهيم