من الأعمال الروائية العربية مثلت "صندوق الرمل" لعائشة إبراهيم بالنسبة لي نقلة مهمة في الرواية العربية التي تناولت العلاقة بيننا والأوربيين في لحظة تاريخية قاسية.
الجديد والمتميز في هذه الرواية "عربيا" هو القدرة على تصوير الحياة الايطالية بكل تفاصيلها اليومية بدقة لا يمكن أن يكتبها الاعارف بتلك التفاصيل في تلك المرحلة من التاريخ الأوروبي والايطالي.
لقد أحالتني قراءتها إلى "الحرب والسلام" لتولستوي وما صورته رائعة تولستوي تلك كبانوروما شاملة لحياة الروس وهم يواجهون حرب نابليون على بلادهم. المختلف واللافت لصندوق الرمل هو هذه البانوراما النابضة بالحياة، وهذا التصوير "الطبيعي" لما كان يجري في ايطاليا استعدادا لغزو ليبيا.
عائشة ابراهيم في هذا "الصندوق" تقدم لنا الرواية كعمل "معرفي" كبير كما قدمه "تولستوي" و"بلزاك" عبر بناء فني محكم ولغة شديدة الدقة والإتقان.
في هذه الرواية تقدم لنا عائشة إبراهيم العلاقة مع الآخر، ليس على النحو الذي تعودناه من قبل، فالعلاقة بالأخر تبدو كاملة وطبيعية والآخر ليس نموذجا أوحاديا بل كإنسان يحمل كل صفات الإنسان، القاتل والقتيل، العدو والمتعاطف وحتى النصير.
الجديد في هذه العلاقة أن تنشأ علاقة حب من ايطالي لفتاة ليبية، ربما لم نر ذلك إلا في "زهور صالح السنوسي" حيث يظهر الايطالي عاشقا ومحبا لليبية وليس "المغتصب" فقط. صندوق الرمل من أفضل ما قرأت من روايات عربية في السنوات الأخيرة.