فنون وثقافة

"السقيفة الليبية" تفتتح موسمها الثقافي بالاحتفاء بأعمال الأديبة عزة المقهور

ليبيا المستقبل | 2022/09/13 على الساعة 14:15

ليبيا المستقبل: ضمن أنشطة موسمها الثقافي 2022/2023، نظمت "السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)، بفضاء "الريو"، بتونس العاصمة، أمس الاثنين الموافق 12/9/2022، أمسية ثقافية للاحتفاء بالإصدارين القصصين؛ "امرأة على حافة العالم" و"بلاد الكوميكون" للأديبة عزة كامل المقهور.

وقدم الأمسية الإعلامي حسن الأمين، وأدارها الكاتب الصحفي نور الدين بالطيب، وأثثها، بجملة من القراءات في أعمال الأديبة عزة كامل المقهور، كل من الفنان التشكيلي ومندوب ليبيا لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو) علي العباني، والناقد يونس الفنادي، والكاتبة والشاعرة محبوبة خليفة، والأديب محمد الهادي الجزيري، والصحافية حذامي خريف، ومدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا رشيد خشانة.

وشهدت الأمسية حضور ثلة من الكتاب والفنانين والمثقفين من تونس وليبيا؛ الذين أثروا، بدورهم، المناسبة بالنقاش والتساؤلات حول تجربة الأديبة المحتفى بها.

وألقت الأديبة عزة كامل المقهور كلمة بالمناسبة استعرضت فيها تجربتها في الكتابة، وتطرقت إلى الظروف والمؤثرات التي حفت بها، وسلطت الضوء على وظيفة المكان والجغرافيا في خدمة النص القصصي من خلال ترحالها المتواصل بين الأمصار ومن خلال الوشائج التي تمنحها إحساسا مخصوصا تجاه طرابلس وأماكنها.

فتح بعد هذا باب المداخلات والتساؤلات من قبل الحضور كان من بينها: مداخلة للكاتبة والروائية والناشطة الحقوقية التونسية/ فاطمة بن محمود، والناشطة الحقوقية الليبية/ فريدة العلاقي، والسجين السياسي الليبي، الأستاذ/ علي العكرمي، والباحث والمحلل السياسي التونسي/ بشير جويني

وفي الختام تم تكريم الأديبة عزة كامل المقهور من قبل مركز (ليبيا المستقبل للإعلام والثقافة)، حيث قدم لها السيد حسن الأمين (رئيس المركز) شهادة تقدير تكريما لمجهوداتها الحقوقية وعرفانا بمساهمتها الفعالة في الرقي بالمشهد الأدبي الليبي وتثمينا لإبداعاتها في مجال القصة القصيرة.

> نص كلمة الأستاذ/ حسن الأمين:

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الحبيب بلهادي، مدير فضاء "ريو" الثقافي

ضيوفنا الكرام، من أدباء وكتاب وفنانين ومدونين ومهتمين بالشأن الثقافي ونشطاء بالمجتمع المدني

زملائي الإعلاميين

الحضور الأكارم

أحييكم، وأرحب بكم أحر الترحاب، في هذه الأمسية الأولى التي تنظمها "السقيفة الليبية" بوابة موقع "ليبيا المستقبل" الثقافية، والتي نأمل أن تتحول إلى تقليد دوري يثري المشهد الثقافي ويمنح المثقفين منبرا يليق بهم وبإبداعاتهم.

نلتقي، اليوم، في هذه المناسبة غير التقليدية، لنتواصل ونتفاعل، ولنحتفي بالأدب الليبي ومدونته السردية من خلال استضافة الأديبة والكاتبة والحقوقية عزة كامل المقهور، والاحتفاء بمجموعتيها القصصيتين؛ "بلاد الكوميكون" و"امرأة على حافة العالم".

إلى زمن قريب، تعرض الأدب الليبي عموما، والمدونة السردية خصوصا، والإنتاج النسائي تخصيصا، إلى ضيم حدّ من انتشاره وعرقله عن تبوإ مكانته.. قد يكون للنظرة النمطية تجاه الكاتبة والأديبة الليبية دور في هذا الضيم.. وقد تكون الليبية المبدعة، نفسها، مقصرة في تبليغ رسائلها.. غير أن الأكيد أن السياق العام الذي مرت به ليبيا مسؤول عن تقزيم أي اسم وطمس أي إبداع، فلا أديب إلا القائد، ولا مفكر إلا القائد، ولا فيلسوف إلا القائد، ولا رواية إلا ما خطه قلم القائد، ولا قصة إلا ما قصه، ولا شعر إلا ما جادت به قريحة الصقر الأوحد الذي تتضاءل أمامه كل الهامات مهما عظم مقدارها.

بدأ الأمر يتغير، في السنوات الأخيرة، وأضحى للمرأة الليبية المبدعة حضورها ومكانتها في الرواية والقصة والشعر والنقد والفن التشكيلي والدراما والمسرح والموسيقى.. والحقيقة أن كل السياقات الاجتماعية والسياسية الصعبة لم تفلح في منع المرأة الليبية المبدعة من نحت اسمها مبكرا، فكانت أسماء مثل زعيمة الباروني، شريفة القيادي، نادرة العويتي، خديجة عبد القادر وخديجة الجهمي من الرائدات في مجال الأدب عموما وأجناس السرد خصوصا.

على المستوى الشخصي، لم تكن عزة كامل المقهور عنوانا طارئا في المشهد الثقافي الليبي، فهي سليلة بيت عريق في الأدب والكتابة، وهي ابنة المرحوم كامل حسن المقهور؛ رجل القانون والأديب الذي ترك قائمة طويلة من الإصدارات الشاهدة على قلمه المبدع في القصة والسيرة الذاتية والمقالات والمنوعات.

وعلى خطى والدها، سارت عزة كامل المقهور لتكمل مشوارا إبداعيا ونضاليا.. فهي الكاتبة والقصاصة والأديبة وهي المناضلة الحقوقية التي تمكنت من اختراق الموانع المتراكمة والمتشعبة التي هندستها المنظومة الاجتماعية والسياسية لمنع أي طموح للتغيير.. وهكذا تتحول الكتابة، في مثل هذا الواقع، إلى عملية مقاومة لا يقدر على متاعبها إلا القلة.

من "فشلوم.. قصص فبراير" إلى "30 قصة من مدينتي"، ومن "امرأة على حافة العالم" إلى "بلاد الكوميكون" ظلت سرديات عزة المقهور تستحضر المكان وتفاصيل المجتمع ورمزياته وحال المرأة/الإنسان في مواجهة تمثلات العقل الجمعي وأغلاله.

في مجموعتها القصصية "امرأة على حافة العالم"، الصادرة سنة 2021، عن دار الرواد للنشر، وفي مجموعتها القصصية "بلاد الكوميكون" الصادر عن نفس الدار، سنة 2021، تقتنص عزة المقهور، بروح الفنان وفطنته، تفاصيل قد لا يدركها غيرها.

في مدينة الحنين والذكريات طرابلس، وفي حي الظهرة حيث نشأت وترعرعت، تلتقط الكاتبة خيوطا دقيقة.. ومن هذه الخيوط تنسج نصوصها عن اللحظات الإنسانية وعن تفاصيل الحياة وعن نماذج الإنسان الليبي البسيط وعن مشاعر الفرح والحزن.

"امرأة على حافة العالم" و"بلاد الكوميكون"؛ مجموعتان قصصيتان منفصلتان في زمنهما السردي وفي شخصياتهما الفاعلة وفي أمكنتهما، غير أن الباحث عن خيط ناظم بينهما سيجده في كل صورة وفي كل حركة وفي كل تحوّل.

عزة المقهور في المجموعتين هي المرأة المبدعة والأديبة مرهفة الإحساس والقناصة التي لا تخطئ الهدف والمحامية والحقوقية التي تقدس كرامة الإنسان وحرمته، وهي المناضلة التي تنتصر لحقوق النساء الطبيعية المشروعة.

وحتى لا يتحول هذا التقديم الموجز إلى استعراض وتقييم لأعمال عزة كامل المقهور ومجموعتيها "امرأة على حافة العالم" و"بلاد الكوميكون" فإني أترك القراءات النقدية لأهل الاختصاص من هذا الجمع الكريم، وأجدد ترحيبي بالسادة الحضور، كما أجدد شكري للسيد مدير فضاء "ريو" ولكل من ساهم في تنظيم هذه المناسبة الثقافية اللطيفة ودعمها وحرص على إنجاحها.

ستظل "السقيفة الليبية" مساحة حرة ومسؤولة لإبداعات المبدعين من ليبيا وخارجها، وسنظل في حاجة لنقدكم البناء لنطور هذا المشروع ونعدل ما يجب تعديله.

شكرا لكم وبارك الله فيكم.

> كلمة الأديبة عزة كامل المقهور:

كتب نقاد القصة القصيرة عن زمانها ومكانها. وإن كان الزمان مسألة طبيعية لا يد للإنسان فيها، فإن المكان غالبا لا يؤثثه غيره. لكنني مع الوقت وجدت أن القصة القصيرة لها زمانها وجغرافيتها. الجغرافيا أوسع من المكان وتتلازم مع حركة المبدع التي باتت مع تطور التكنولوجيا حركة دورية وسريعة ومتصلة حتى وإن كانت من خلال الشاشة والصور.

ففي حين أن الزمن (التاريخ) يمكن أن يكون كاذبا أو مبتورا أو مفتعلا أو منحولا أو متضخما، فإن الجغرافيا لا تكون كذلك. عند زيارتي إلى الأقصر وأسوان اكتشفت حضارة وقفت أمامها مشدوهة وعرفت أن شعب هذه الحضارة لن يهزم، وحين جبت صحاري بلدي ولامست صخور الاكاكوس استوعبت درسا قيما أن هذا البلد، وإن قسا، حنون، وحين سرت في غابات كندا الثلجية كان يملأ الرعب قلبي لكنني تغلبت عليه بمسيري المتصل لثلاث سنوات، وحين سبحت في المياة العذبة تيقنت أنني كنت مخطئة حين ظننت أن السباحة لا تكون إلا في المياه المالحة.. وفي كل مرة وأنا أرحل وأتجول وأراقب واستكشف كنت في الحقيقة أغوص في نفسي وأكتشف ذاتي وأتخلص من أعباء كثيرة أثقلت كاهلي، وكان القلم هو أداة الخلاص والتعبير عن كل ما رأيته واراه.

قال لي والدي رحمه الله وكنت أداري خجلي أمامه بعد أن اكتشف محاولاتي في الكتابة.. لا تستعجلي الكتابة.. اقرئي ثم اقرئي ثم اقرئي.. ثم تنهد بشيء من الشك وقال ثم.. اكتبي.

قرأت وقرأت وتأخرت في الكتابة - كما وصف الككلي بدقة.. انني لم أحبو ولكنني مشيت- وليكن.. لكنني اكتشفت أن مصدر الابداع ليس القراءة فحسب.. بل التأمل والنظر والاستكشاف والمغامرة.. هي حافة الشمس وهي تغادر شواطيء طرابلس، وهي البحر الملون في هاواي، وهي وشوشة الاشجار والخوف اللذيذ في غابات كندا، وهي ماء الفيروز في شواطئ سردينيا وهي رحلة النيل تشق الغروب المسدلة ستائره، وهي غرابة هافانا وهي تدخن السيجار في يوم قائظ ومن خلفها تصدح خطب فيديل، وهي حضارة الانكا في المكسيك، وهي المدن المغاربية الأندلسية وجبال الاطلس بتيجانها الثلجية، ومعاصر تونس الرومانية، وهي معابد الهند المتوارية خوفا من هدمها، وتاج محل الذي انسكب على بلاطه لبن الحب… هي قصص البشر في جغرافيتهم وفي ترحالهم لجغرافيا أخرى..

إذا مصادر الابداع متعددة فالمبدع كالإسفنج يمتص من حوله ثم يسكبه في اشكال عديدة.

لذا لا يمكن تحديد الكاتب في حيز مكان ولا ان يكون رهينة الزمان، بل تمتد الكتابة بامتداد جغرافية كوكبنا.. في نخيل سوكنة ومكعبات غدامس وبردى طبرق وقباب وزخارف طرابلس.. وأسباخ بنغازي ومروج المرج ورمال مصراتة وكهوف الجبل وبيوت الحفر وواحات الجنوب وعيونه.. لا يحد الكاتب مكانا بل يمسح ببصره جغرافيا لا حد لها ولا حيز يسجنها.

وحين توقفنا عن تأمل جغرافيتنا وعن الاحساس بها والارتباط بمعالمها (وهي سبب تميزنا في اختلاط الحضارات وسبب شقائنا كأرض لصراع النفوذ). وحين توقفنا عن حمايتها والذوذ عنها، حين اخترنا البيوت الفسيحة دون سقيفة، وبنينا الاسوار الشاهقة بدلا من زراعة اشواك الهندي، وحين اطلت وجوه مدننا دون خصوصية، وحجبنا البحر عن العامة، حينها قطعنا حبلنا السري ظانين بسذاجة انه شريط حريري، وحينها كانت الحرب!

اخترت عنوان الجغرافيا والقصة، فأنا اكتب عن بهلولة والشيخ حمد وفطومة وعواشة وخدوجة وعمي الهاشمي وعن زرزور القصب والخطيفة وعن فوهات البنادق والمجاميع المدججة، لكنني كتبت عن جورج وباريس وعن الجزر البعيدة وعن طائر الشمس الفلسطيني صاحب العنق البنفسجي وعن ذئاب الغابات التي مرت أمامي دون ان تؤذيني، وعن الذئاب التي لاحقتني ثم ابتعدت بعد ان خبت رائحتي.

ورغم هذه الجغرافيا المتنوعة والمختلفة، ظلت جغرافيا طاغية وبارزة كما ذاك الجبل الكبير في اللوحة، أو الزهر المنثور البارز فيها حتى تكاد تشتم رائحته، وتقاسيم الوجه المحفورة حتى يخيل لك لمسها، وتعرق اليدين، والأزياء التقليدية، والمقهى المشرع للصيادين مع شقشقة الصباح، والفراريش البيضاء التي تحاذي سور السرايا لتصبح في ضآلتها أمامه وردات ياسمين مفتحة.. وكل الأطعمة التي أصابني دوار رائحتها، وأغاني الزمزامات التي بلا مقامات والمعتمدة بالأساس على الدربوكة والبنادير، وأصوات الرجال أثناء تدريجة العريس إلى مخدعه.. و و و.. وتظل تلك الصور تستدعي ذاتها وأنا على جبال عمان وفي وديانها، أو في قصبة مراكش أو على جبال أطلسها أو في ساحة الثورة بهافانا أو عند رأس الرجاء الصالح أو في شوارع موباي.. مشاهد تعرجات بيتنا الذي تهدر فيه أمواج البحر القريبة ليلا حتى أصبحت ترانيم للنوم، ثم هدوؤه صباحا لنصرخ ونحن نطمئن عليه "البحر زويتة" فنشد الرحال إليه أولاد وبنات ونقضي الصيف مبللين فيه

تتغير الأمكنة ولا تتغير الجغرافيا.. أما الزمان فرهين بالذكريات التي تتحكم فيها المشاعر

اليوم في تونس القريبة جدا من طرابلس والبعيدة جدا من أتاوا.. أرى وجوه الأحبة وأغبط نفسي على حضورهم.. منهم من شد الركاب من طرابلس أو خارجها ومنهم من مد في إقامته ليشاركني، ومنهم من سكن تونس.. اليوم أقول لكم بأن جغرافيا العالم مصدر إلهام لي، لكن ذكرياتي في تلك البقعة الغالية.. قطعة قلبي حيث يرقد والدي القاص كامل حسن المقهور في سيدي بوكر وأخي الأصغر الغالي معاوية في سيدي حامد.. وإن كتبت عن ترحالي وأحوالي، فرنين الذكريات يصاحبني والأماكن تلاحقني، والمشاهد تتداخل مع غيرها أمامي والشخوص تسبقني وتستدرجني نحوها، أينما رحلت في هذه الجغرافيا الفسيحة، وحضوركم شاهد على هذا الحب.

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل