ليبيا المستقبل (عن العرب اللندنية): حذر عضو مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي، زهير حمدي الذي يتولى الأمانة العامة لحزب "التيار الشعبي"، من تتالي الخطابات السياسية التي تستبطن العنف، وتُلوح به، التي ضاعف منها راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية خلال الأيام القليلة الماضية. وقال لـ"العرب"، إن خطورة مثل هذه الخطابات التي تضمنت إشارات وتلويحا بـ"الحرب الأهلية"، وتحريضا غير مُبرر، تكمن في توقيتها الذي جاء وسط أجواء ضاغطة على كل القوى المعنية بالوضع السياسي، ارتباطا بالأزمة الراهنة، ومدى القلق الذي وصلت إليه الأمور في البلاد.
ورغم إدراك مختلف القوى السياسية أن تلك الأجواء الضاغطة تستدعي ضرورة البحث عن حلول واقعية تستند إلى آليات توافقية، على أمل الوصول إلى نقطة ضوء وسط هذا الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي القاتم الذي يلف البلاد، فإن راشد الغنوشي خرج عن هذا الإجماع بخطابات غمز فيها من زاوية التصعيد السياسي، بوتيرة عالية، حيث مزج فيها بين التلويح بعرقلة عمل حكومة يوسف الشاهد التي توصف بحكومة "الفرصة الأخيرة"، واستبطان العنف السياسي. وتجلى هذا التحول الخطير في الخطاب السياسي لراشد الغنوشي، في تصريحاته، الأحد، في مدينة صفاقس بجنوب تونس، التي لم يتردد فيها في التحذير من تداعيات ما وصفه بـ"الخطاب الإقصائي" لبعض الأحزاب في بلاده، التي قال إن “محاربة النهضة لا يزال نهجها الوحيد في العمل السياسي". ولفت في تصريحاته إلى خطورة ذلك على المناخ العام في تونس، ودعا تلك الأحزاب التي لم يذكرها بالاسم، إلى الكف عن مثل ذلك الخطاب الذي وصفه بـ"مشاريع الحرب الأهلية".
واستوقف هذا الوصف الذي اعتبر فيه الغنوشي ضمنيا أن استمرار رفض بعض القوى السياسية لحركة النهضة الإسلامية، يعني الدفع نحو "الحرب الأهلية"، الأوساط السياسية في البلاد التي لم تتردد في الإشارة إلى أن التصريحات الصادرة عن الغنوشي منذ تشكيل حكومة الشاهد ونيلها ثقة البرلمان، بات يشوبها الكثير من الغموض والمواربة السياسية التي بقدر ما تستبطن سهولة التنصل من الالتزامات التي تفرضها، والاستحقاقات التي تستوجبها، فإنها تحمل رسائل مُبطنة تتجاوز خطورتها الواقع الراهن.
ويرى مراقبون أن مثل هذه التصريحات تفتح الباب على كل التأويلات والظنون في نوايا وجدية حركة النهضة الإسلامية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما في ظل الأزمة الراهنة التي تمر بها البلاد، وهي أزمة لا ينفع معها مثل هذا الخطاب السياسي المُشوش الذي من شأنه تعميق حدتها، لأنه يُساهم في مضاعفة الشكوك، وزيادة حالة انعدام الثقة، في الحكومة، ومؤسسات الدولة.
ويقول النائب زهير حمدي لـ"العرب"، إن تصريحات الغنوشي الأخيرة، تُعبر عن نفسها، بحدتها وانغلاقها، وهي بذلك شكل من أشكال التحريض المباشر، لا سيما وأنه على عكس ما ذهب إليه الغنوشي، فإنه لا يوجد في تونس أي طرف يسعى إلى إقصاء حركة النهضة الإسلامية. وتابع قائلا "الجميع يعرف أن سياسة القوى الديمقراطية في تونس وخطابها الإعلامي يتمحور حول التنبيه من خطورة مشروع حركة النهضة، وليس السعي إلى إقصائها، وبالتالي فإن تصريحات الغنوشي تدل بشكل واضح أن النهضة لم تتطور، وأن جوهر مشروعها يقوم على استبطان العنف، ومعاداة الديمقراطية". وشدد زهير حمدي على أن "تونس لا تتحمل هذا النوع من الخطابات التي تتضمن إشارات لتخويف الشعب، عبر التلويح ولو ضمنيا بـ’الحرب الأهلية’، خاصة إذا كانت صادرة عن أطراف هي جزء من السلطة الحالية".
وتُشاطر هذا الرأي مختلف القوى السياسية التونسية التي لا تُخفي استغرابها من السياق العام لتصريحات الغنوشي، وخاصة منها تلك التي لوح فيها بسحب ثقة حركته في حكومة يوسف الشاهد رغم مشاركتها فيها بثلاثة وزراء، الأمر الذي ساهم في زيادة التكهنات بأن المشهد السياسي يوحي بوجود تحركات خفية لم يحن بعد أوان خروجها إلى السطح. وكان الغنوشي قد كثف خلال الأيام الثلاثة الماضية من تصريحاته التي ربط فيها استمرار دعم حركته لحكومة يوسف الشاهد، بمدى التزامها بتطبيق ما جاء في وثيقة “اتفاق قرطاج” التي حددت أولويات عمل هذه الحكومة التي نالت الأسبوع الماضي ثقة البرلمان بأغلبية مُريحة، بل إن الأمر وصل بالغنوشي إلى حد التلويح العلني بسحب حركة النهضة ثقتها من حكومة يوسف الشاهد، حيث قال في تصريحاته في مدينة صفاقس، إن “دعم حركة النهضة لحكومة الشاهد ليس مطلقا بل هو مشروط بتطبيق ‘وثيقة قرطاج’، وقد نسحب الثقة منها إذا حادت عن البرنامج المتفق عليه”.