تنظر الأطراف الليبية إلى دعوة القيادي في جماعة الإخوان المسلمين علي الصلابي لإجراء انتخابات جديدة، بنوع من الريبة والخشية من أن تساهم في تعقيد المشهد الليبي وإعادته إلى المربع الأول الذي تبقى سمته الأساسية الانقسام والتشرذم.
العرب اللندنية: لم يكن ينقص المشهد الليبي العام الذي يعاني من الانقسام والتعقيدات والعراقيل التي تحول دون خروج البلاد من أزمتها المركبة، سوى دعوة القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، علي الصلابي إلى تنظيم انتخابات جديدة ينظر إليها على أنها مناورة تكتيكية جديدة لتجاوز عقبة البرلمان الحالي المعترف به دوليا، والذي لم يمنح بعد ثقته لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج. وتخشى الأوساط الليبية من أن تساهم هذه الدعوة في بعثرة المزيد من الأوراق السياسية بما يُعمّق حالة الانقسام الحالي، لا سيما وأن توقيتها تزامن مع عودة الصراع حول السيطرة على النفط بين حكومة الوفاق الوطني والحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله الثني، وسط تبادل للاتهامات وتزايد التحذيرات والتهديدات.
ففي تطور لافت للأزمة الليبية المفتوحة على كل الاحتمالات، اختار القيادي الليبي الإخواني علي الصلابي، توقيت انتهاء القمة العربية بنواكشوط التي بحثت الملف الليبي، وتزايد الأصوات المطالبة بضرورة تحقيق المصالحة الوطنية الليبية، ليبعث برسالة إلى رؤساء مجلس الدولة الليبي عبدالرحمن السويحلي، والمجلس الرئاسي فايز السراج، ومجلس النواب (البرلمان) عقيلة صالح، طالبهم فيها "بضرورة إجراء انتخابات بشكل عاجل تخرج البلاد من أزماتها". واعتبر الصلابي في رسالته التي نُشرت مقتطفات منها، الأربعاء، أن "الاستمرار في التعنّت في مصادرة إرادة الشعب الليبي وخلق أجسام لا تستمد شرعيتها من الشعب وفرض شخصيات جدلية على المشهد، كل ذلك لن يزيد الأمر إلا تعقيدا ويعمّق الفجوة بين السلطة والشعب". وأضاف في رسالته أنه يجد نفسه “مضطرا لتحميل المسؤولية لكل الأطراف، سواء المجلس الرئاسي أو مجلس النواب أو مجلس الدولة، بجر البلاد إلى المزيد من الحروب والاقتتال عندما تم تجاوز إرادة الشعب ومصادرة حقه في اختيار حكامه”، على حد تعبيره.
وتبدو هذه الدعوة في ظاهرها بديلا مقبولا لتجاوز المأزق الراهن الذي تعيشه ليبيا التي تتقاذفها حكومتان الأولى برئاسة فايز السراج التي تستمد شرعيتها من مخرجات اتفاقية الصخيرات وتقيم في الغرب حيث العاصمة طرابلس، والثانية برئاسة عبدالله الثني وتستمد شرعيتها من البرلمان المعترف به دوليا وتقيم في الشرق الليبي. غير أن توقيتها الذي تزامن مع احتدام الصراع بين الحكومتين حول شرعية تمثيل الشعب الليبي، إلى جانب العديد من المسائل الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية، جعل الأطراف الليبية تنظر إلى هذه الدعوة بنوع من الريبة والخشية من أن تساهم في تعقيد المشهد أكثر، بل وإعادته إلى المربع الأول الذي تبقى سمته الأساسية الانقسام والتشرذم.
ورغم ذلك، تباينت الآراء في تشخيص استهدافات هذه الدعوة، حيث اعتبرها البعض من المقربين من حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج "مقدمة أو مخرجا لأزمة عدم منح الثقة لهذه الحكومة"، بينما رأى فيها البعض الآخر “مناورة سياسية للهروب من الاستحقاقات الجوهرية التي تواجه البلاد". وفي هذا السياق، لم يتردد أبوبكر بعيرة، عضو البرلمان الليبي المعترف به دوليا، في وصف هذه الدعوة بأنها “قد تكون مناورة للالتفاف على الشرعية في ليبيا من شأنها تأزيم الوضع أكثر مما هو متأزم". وقال لـ"العرب"، إن الجميع يدرك أن الأوضاع الحالية في ليبيا لا تسمح بإجراء انتخابات لأن البلاد مقسّمة وممزقة، والإرهاب يرتع فيها، وهي عوامل لا تساعد أبدا على تنظيم انتخابات نزيهة وحرة". ورفض في المقابل وصف هذه الدعوة التي تقدم بها الإخواني علي الصلابي، بأنها تندرج في إطار البحث عن بديل للخروج من المأزق، وقال إن المأزق الحالي "لا يمكن الخروج منه إلا بصدق النوايا وتصفية الخلافات وإيلاء المصلحة الوطنية العليا المكانة التي تستحقها، وليس من خلال مثل هذه المحاولات التي لن تُفلح إلا في تعقيد المشهد".
وأكد أبوبكر بعيرة أن مجلس النواب الليبي (البرلمان) كان مُضطرا لتمديد عمله لتفادي الفراغ السياسي في البلاد، وبالتالي فإن هذه الدعوة غير جدية ولا عملية، ويصعب تطبيقها على أرض الواقع. ويقر المحلل السياسي الليبي محمود إسماعيل بأن ليبيا أضحت على خلفية ذلك، تعاني من مشكلتين أمنية وسياسية تسببتا في تعثر تنفيذ مخرجات اتفاقية الصخيرات التي انبثقت عنها حكومة فايز السراج. واتهم في تصريح لـ"العرب" البرلمان المعترف به دوليا بأنه "لم يقم بدوره، أي بمنح الثقة لهذه الحكومة، الأمر الذي تسبب في إرباك المشهد السياسي العام في البلاد".
واعتبر في المقابل أن دعوة الإخواني علي الصلابي "تندرج في سياق البحث عن حل لهذا المأزق"، وقال “ربما تكون بديلا يدفع نحو الحل رغم أن الوضع العام ليس مهيّئا لإجراء انتخابات من جهة الوضع الأمني، وعدم توفر قانون انتخابي. وبين هذا الرأي وذاك، لا يلوح في الأفق أن الأزمة الليبية التي دخلت في منعرج جديد عكسه الصراع المتصاعد على النفط، في طريقها إلى الحل ما لم تتضافر جهود كافة الليبيين، والأطراف الإقليمية والدولية لإنهاء الانقسام أولا، والتوجه نحو تطهير البلاد من التنظيمات الإرهابية ثانيا، ثم التوجه نحو وفاق يقوم على المصالحة بين مختلف فئات الشعب الليبي ومناطقه تمهيدا لاستعادة الوحدة الوطنية التي تبقى أساس الخروج من هذا المأزق.