(يقولون… اْهم ما فى التاريخ ما اْهمله التاريخ)
... ثم كان الاعلان عن التحرير
فى موسم الحرث والمطر الخريفى واْستواء الرمان وعراجين البلح. الساحة الواسعة ذلك اليوم والمقاعد والمنصة والخطب والزحام والزغاريد وجمع ليس له علاقة بما يدور والفوضى. والنتيجة كانت صفرا كبيرا على الشمال. الوطن كان بعيدا عن الساحة. المواطن الحالم بالمستقبل الرغيد كان بعيدا اْيضا. خطاب اختصر المراد فى مثنى وثلاث ورباع. خيبة كبرى. لاحديث عن التقدم. لا رؤية لمشروع وطنى. لا كلام يحمل فكرا اْو هدفا. لا دعوة لعودة الدستور الشرعى ولو الى حين. لا مطالبة بضرورة تسليم الاسلحة ونزعها. لاتصور ينحو بالاْمة الى الامام. خطاب فى مجمله لايرقى الى الوطنية.. الى ليبيا.. الى مواطنيها المنتظرين فى شوق.. مواطنيها الذين جعلهم الخطاب جوعى الى التعدد والتغول الشبقى. لم يستشرف مزالق الطريق اْو يحذر منه. فقط.. المحافظة على الاْربعه اْصعب من نيلها!!
وكان الحصاد بالطبع فى غير محله فى موسم الحرث والمطر الخريفى المعتدل. كان فى جانب مقابل اْكثر ايلاما واْشد مهانة. فالتحرير المتوقع والمرتقب.. التحرير الحلم لم يكن فى الخطاب الجنسى. لم يحدث فى النفوس وفى الضمائر وفى العقول وفى الاخلاق وفى السلوك. التحرير كان فى الهواء وفقا لما ورد فى الخطاب. مجرد كذبة عريضة دوت مع السخرية والخيبة وفرقعات الرصاص والزغاريد التى تلاشت فى البعيد وانتهت فى البحر هناك. هكذا فعلها (رجل شجاع) كما حكوا عنه ذات يوم. خذل الليبيين والوطن بشجاعته الخارقة للعادة!!
التحرير ذلك اليوم حدث فى الهواء. ظل الليبيون عبيدا للوهم والصدفه. والخطاب المنتظر لم يحررهم من العقد.. من الحقد. من الانفلات. لم تتحرر النفوس من الامراض. ولم تتخلص العقول من الادران الشخصية لتنهض الى مستوى الوطن اْو هموم الشارع اْو ماْسى كل بيت. اْو مظالم اْصابت كل فرد.
الليبيون كانوا احتفلوا كعادتهم فى الاحتفاء بعدة انواع من (التحريرات) كما مر بهم فى تاريخهم المعاصر.. 24 ديسمبر. ثم اْلقوا به بعيدا وشتموه بعد اْن صفقوا له واْعتبروه رجعيا عميلا خائنا... و(الفاتح) من سبتمبر. الذى قدم على اْنه طريق الخلاص النهائى واعتبره البعض كذلك واحتشدوا فى مسيراتهم من اْجله وهانت اْرواحهم فى سبيله... و17 فبراير وخطابه الذى لخص كل شى فى 23 اكتوبر. تواريخ واحداث كلها تنتهى بالراء مع الفارق فى مخارج الحروف. والحاصل فى النهاية لا شى. تنتكروا للاْصل ودفعوا من اْيامهم الكثير.
لا تحرير الا فى الهواء. لم يتحرر المواطن من الخوف ومن المجهول ومن الحساسيات ومن الثارات ومن الحزازات ومن الشكوك والريبة ومن عقدة الكراهية ومن انعدام روح المسؤولية وضياع التخطيط الواعى الحريص على المستقبل. لم يتحرر المواطن من عدم الانتماء لبلاده. لم يتحرر من كل شى كريه. صار هدفا لكل النوايا الخبيثة التى لعبت به ودحرجته الى اْسفل سافلين. الى الظلام الاشد سوادا من الليل نفسه. لم ينبذ المواطن الجهل والتعصب والقبلية والانانية والادلجه المضحكه والفتاوى القاتلة. لم ينبذ السرقة والرشوة والاعتداء على حقوق الاخرين. وفى ذلك كله لم يعرف قيمته كاْنسان ولم يدرك فى الوقت ذاته قيمة وطنه ومصلحته ومصلحة اْجيالها المقبلة.
الليبيون مثل كل العرب. العاطفة والاندهاش. لا يقراْون. لكنهم يشاهدون فقط ويتاْثرون بما يقال فى الشاشات وفوق المنصات التى يعلوها الغبار مع مرور الايام. الليبيون يفرحون بالتحرير وهم لم يتحرروا !!
التحرير كان مجرد خطاب مليئْ بالانشاء فى حصة التعبير.. فى الهواء. بحث عن المثنى والثلاث والرباع فقط. فقاعة دامت بضع دقائق لتدوم خمس سنوات كاملات.. وما تزال. التحرير لم يتم حتى الان رغم تضحيات الشرفاء والبسطاء الذين اْهملهم التاريخ.
حرروا النفوس والعقول اْولا ثم اْرفعوا رؤوسكم فوق.. بدلا من سراويلكم !!