(اللهم افضحنا ولا تسترنا حتى يتبن لنا الخبيث من الطيب) اْبى حامد الغزالى
لا يخفى على اْحد. ليس منصوبا. ليس مرفوعا. ليس مبتداْ. ليس خبرا. ليس ليس. اْنه شىْ اْخر يختلف كلية عن علم النحو وقواعد الاعراب. اْن الحال الليبى حالة خاصة قد لاتتكرر فى التاريخ. حالة غامضة ومشوشة من كل الجوانب. حالة الحال الليبى. الحال الليبى باْختصار يراوح فى مكانه وليس هناك من يريد اْن يفض موضوعه. اْن يخلصه مما هو فيه. اعتقد الليبيون اْنهم حققوا تغييرا اْو ثورة تخلصهم من حال سىْ الى حال اْفضل. تزيح عنهم الظلم فعالجوا ذلك الظلم بمظالم.
لم يهناْ بال البعض فى الحال الليبى الراهن من القتل والخطف والكذب والتزوير والتهديد والتفجير والاغتصاب والتخريب. ولم يكتف بالغنيمة المفتوحة من السرقة والاختلاس وتهريب الاموال.. وقلة الحياء والوطنية. وبهذه الصورة بدى اْن الحال الليبى كان مخططا له وبعناية فائقة حتى تصل الاْمور الى ماهى عليه من فوضى وتخبط وانعدام للانتماء والمسؤولية. والا كيف تتصاعد الازمات وتتفاقم دون مبرر خلال سنوات فى وجود هذا العدد المذهل من المستشارين والمناضلين والمنتخبين والمحللين والمثقفين والفلاسفة والمتحاورين. لقد فشلوا جميعا منذ البداية.. منذ ساعة الميلاد الجديدة التى كتبت لليبيا وطغت على حالهم الاْنانية والايديولوجيات الفاسدة التى لم تقتل ذبابة. وسادت روح الاستعلاء وسوء الفهم وعدم الادراك. الطريق الاعمى يسير فيه العميان فقط. هذا ماحدث.
ليبيا وطن كبير وخيرها وفير كما تقول كتب المطالعة وقصائد الشعر والاغانى. شعبها واحد لاطوائف ولامذاهب ولافوارق. الامكانيات المتاحة للاستقرار والتطور واصلاح ماهدم لاتتوفر فى وطن اخر بكل المقاييس. ولكن الليبيون لم يرتح لهم بال بما قاموا به فى فبراير. اكتشفوا باْن حالهم البائس ظل هكذا.. ليس منصوبا. ليس مرفوعا وانما مضافا اْو مضاف اليه. انه مفعول به!!
لو كان الليبيون يريدون باْنفسهم وبوطنهم خيرا وببعضهم اْيضا لما حدث هذا وبهذه الدرجة المحزنة. اْعماهم الحماس وقتلتهم العاطفة فتنكبوا الطريق وفقعت الدمامل الكريهه لحظة فلحظة. وراْينا فى دقائق كيف اشتعلت الجهوية والعنصرية والقبلية والكراهية والتنابز بالالقاب الرديئة والدعوة الى تقسيم الوطن فى بلاد يعرف اْبناؤها بعضهم بعضا. يعرفون عاداتهم وشوارعهم ومقاهيهم وازقتهم وتربطهم منذ القدم قرابات وطيدة ومصاهرات من الحدود الى الحدود. الكل تضمه ليبيا.
ومنذ البداية لعبت الغايات السيئة واتاحت لها الظروف ذلك. البعض راْى فى فبراير انتقاما. البعض راْه مغنما. البعض راْه منصبا. البعض راْه قبيلة وعائلة وصداقات ومصالح. البعض راْه اْنه (رزق بوه). البعض راْه استعراضا للعضلات والتفشيك على خلق الله الاخرين. البعض راْه ملك لبناته وعياله. وتحقق بعض هذا او كله بالمخالفة وبالكذب وبالتزوير وبالانتخاب وبالاختيار وبالتخويف ايضا!!
اْلهذا جاء فبراير من بعيد؟ هل وصل فى الوقت الخطاْ ووقع فى المكان الخطاْ؟
اْمن اْجل النصب والاحتيال والسرقات وارتكاب الموبيقات وخيانة الوطن والتنعم على حساب الاخرين.. جاء هذا الفبراير.. شهر قرة العنز ؟ ماذا فعل الليبيون البسطاء لكى يحدث لهم هذا من ذوى القربى الذين ظلمهم اْشد مضاضة من اْى شى اخر. اْى مستقبل ينتظرهم وحالهم هكذا يفرشكون فيه الى اْن ياْذن الله بالفرج. الله الكبير الذى لايغير مابقوم حتى يغيروا ماباْنفسهم؟
جرب الليبيون خلال هذه السنوات كل شىْ. الهتافات والتصفيق والكشك والانتخابات وصناديق الاقتراع الاخرى والعراك بالايدى والقتال بالسلاح والصراخ فى الشاشات والاذاعات. جربوا الخطف والابتزاز والتعذيب. جربوا اهانة بعضهم والتعصب للراْى الواحد واقصاء العناصر الجيدة. جربوا كل شىْ. جربوا الحكومات والمجالس والنواب والايدلوجيات المختلفة والمحللين والشعراء والمناضلين القدامى والمطربين والفنانات ورددوا ارفع راسك فوق. جربوا هيئة الدستور. جربوا الامم المتحدة.. الخطيب ومترى وليون وكوبلر. جربوا بقايا ليبيا الغد وحقوق الانسان والمجتمع المدنى والندوات والمحاضرات والصخيرات وتونس والقاهرة ومالطا والجزائر والنيجر وباءوا بالفشل الذريع. كل خطوه ترجع بهم الى الخلف.. الى الحال المزرى. الى القتال والكراهية والتحاقد وكاْنهم شعب لايعرف بعضه بعضا من الحدود الى الحدود. كاْنه شعب عدو لنفسه. كاْنه شعب يجيد العناد والنطح والصراع الذى لاينتهى. شعب يجيد التخلف والعودة الى الوراء.. الى عصور الظلام. وفى كل الاحوال جربوا ماوسعهم التجريب ولم يجربوا العودة الى تاريخهم وواقعهم وتراثهم الذى تنكروا له. ظلوا يرددون ياليبيا لن نخذلك وهم يخذلونها فى الليل والنهار ويبيعونها بلا ثمن. ظلوا يهتفون يابلادى اْنت ميراث الجدود ورموا بذلك الميراث فى صناديق القمامة. الكذب والادعاء والطريق الاعمى الذى يسير فيه العميان.
الحال الليبى الملاحظ جعل كل الليبيين متعبين ومرهقين. دائخين بلا وعى. جعل من القلة القليلة تمارس كذبها ونفاقها وتتنعم وتصر على اْن يبقى ذلك الحال على ماهو عليه.. ليس مرفوعا. ليس منصوبا ولكن مفعولا فيه. ومضافا ومضافا اليه. القلة التى تتقن الصفقات وفن الكذب والتجاوز والتجارة فى الدماء.
واذا كان الليبيون اليوم وغدا يعرفون اْن الحال يغنى عن السؤال وانهم يعلقون فى منازلهم الحكمة القائلة (دوام الحال من المحال) فاْن ذلك يبدو لهم ضئيلا وبعيدا حتى الان فما يجرى فوق التصور ويجعل الحال على الدوام متخلفا ومزعجا وكريها الى حد لايطاق. والمواطن ينتظر اْن ينفرج الحال بين لحظة واخرى. الخضار والطالب والخباز والمراة والحلاق وبائع القرطاسية والواقف فى الطابور والذى يحتاج الى علاج والنازح وسواهم من المعذبين فى الارض الليبية الذين يتحملون كافة الاختناقات والتبعات بلا جدوى فيما المواطن الاخر الذى ركب راْسه ويصر اْن يستمر الحال على طبيعته. متناقضان لايلتقيان وبينهما واقع مشوش وغائم. فهل ثمة عاقل فى الحال الليبى يفطن قبل فوات الاوان. هل ثمة من شبع من الكذب والفساد. هل ثمة من شبع من بيع الوطن والمواطن. هل ثمة من شبع من الظهور فى الشاشات. هل ثمة من يريد التوقف عن كل شى ويتجه الى طريق اخر؟
هل ثمة من يمتلك الشجاعة ويغرب عن وجوهنا.. بعد اْن وصل بنا وبحالنا الى هذا المصير؟!