من الملاحظات او الانطباعات العامة عن العديد من مسؤولي الدولة تجنبهم الخوض في الارقام والنسب المئوية الا في ما يخص علاوات السفر ومخصصات السيارات وغيرها من المزايا الوظيفية. في بعض الحالات الاخرى يفقد الذهول معناه مع التعود على سماع الخلط بين المليون والمليار في حديث بعض المحسوبين من القيادات السياسية في ما بعد 2011 بشكل لا يختلف كثيرا عن نفس الارتباك في عهد اللجان الشعبية العامة.
اذن لم لا تأخذ الارقام مكانها المستحق في خطاب صناع القرار في ليبيا؟
فطنة القارئ الكريم اسرع بالاجابة وذلك ان الارقام لا تجامل ولا تنتمي لأي تيار ايديولوجي ولا تدغدغ مشاعر ولا بطون خاوية!
هذه ليست المشكلة الوحيدة، انتشار الامية المالية والمحاسبية والاقتصادية زادت بعد 2011 وزادها تفاقما غياب او توقف الكثير من التقارير السنوية للشركات والبنوك والمؤسسات الحكومية العامة وغياب البيانات الاحصائية العامة وتوقف الكثير من مواقع الوزارات المختلفة عن تحديث صفحاتها خصوصا في الثلاث سنوات الاخيرة. من يتذكر اخر احصاء سكاني في ليبيا؟
نعم الاجابة الجاهزة طبعا هي غياب سلطة الدولة والقانون و الانفلات الامني كاحد الاسباب وراء هذا الغموض الرقمي في ليبيا رغم توافر احدث الحلول والتطبيقات المحاسبية والاحصائية الالكترونية الجاهزة وسبل الاتصال الحديثة (مهما كانت بنية الاتصالات سيئة في ليبيا) لانجاز الكثير من هذه البيانات وخصوصا في دولة ذات اقتصاد ريعي بسيط مثل بلدنا العائم كالقشة على بحيرة بترول كما قالها المرحوم الصادق النيهوم.
لنذهب لموقع وزارة التخطيط لعل هناك بعض اجابات لما قد يبدوا كسوء فهم عرضي للضاهرة اعلاه. للاسف الصفحة جامدة ولا توجد بها اي بيانات او تقارير ولا يوجد الا بعض الاخبار عن اجتماعات السيد الوزير واجتماعات لجان متابعة وغيرها.
الموقع الوحيد واللذي يحتوي على بيانات منها القديمة بعض الشئ والبعض الاخر مبتورة هي صفحة تقارير مصرف ليبيا المركزي مثل تقرير الناتج المحلي الاجمالي حسب القطاعات الاقتصادية (المقتبس من وزارة التخطيط) حيث لا يعرف احد كيف تم احتساب الانشطة الاقتصادية الاخرى في 2013 و2014 الرجاء الاطلاع (الرابط).
غياب الارقام والبيانات احد العوامل التي تؤخذ في الاعتبار في مفاييس مؤشر مدركات الفساد السنوية الصادرة من منظمة الشفافية الدولية. كالمتوقع اصبحت ليبيا) الدولة النفطية قليلة السكان (في 2015 افضل بقليل من انغولا، جنوب السودان، افغانستان والصومال... بينما اسوأ حالا من العراق، سوريا، تشاد وزيمبابوي… (الترتيب 161 من 167 دولة).
مع ذلك، تجد في دولة مثل العراق (الغارق في الحروب الاهلية والطائفية منذ اكثر من عقد) العديد من البيانات و البحوث في موقع وزاراتها منها علي سبيل المثال الخطة الخمسية للتنمية في موقع وزارة التخطيط العراقية!
لنذهب الى موقع الجهاز المركزي للبحوث والاحصاء المصري تجد جميع المؤشرات الحيوية متوفرة امامك بشكل واضح يساعد على معرفة ما يحدث في بلد ال91 مليون نسمة ذات احتياط نقدي اجنبي (15 مليار دولار) او اقل مما صرفناه في دعم الوقود والكهرباء في سنة واحدة!
ما الذي يحدث هنا؟ اين ذهبت كل هذه الموازنات المليارية لتسيير كل هذه الوزارات والهيئات الحكومية منذ اكثر من خمس سنوات (وقبل الأزمة المالية الحالية) وهل توجد اصلا بيانات وارقام تخص اقتصادنا اليوم؟ هل هذه الارقام والبيانات من اسرار الدولة ام المفترض انه من اول حقوق المواطنة الاطلاع على ما يحدث حوله ام كتب عليه ان يكون قاصرا في كنف الدولة الراعية الريعية لا يسأل ولا يجادل مادامت بطنه وخزان وقود سيارته ممتلئان بالخبز والبنزين؟!
يطول الحديث حول الغموض الرقمي في ليبيا وكلمة اخيرة اخصها هذه المرة للمجلس الرئاسي واعضائه التسعة… هل عندكم الاجابة؟ ام… ماذا تفعلون بالضبط؟
غسان عتيقة
نيويورك 18/9/2016