• الرسل والأنبياء جميعهم يدعون إلى عبادة الله وحده... وكانت رسالة نوح ـ أقدم الرسالات عهدا وأطولها زمنا ـ إلى قومه تدعوهم إلى عبادة الله وحده والتخلي عن عبادة الأصنام، فلم تلق عندهم استجابة، ولم ينظر إليها أحد منهم باهتمام "ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره أفلا تتقون" [المؤمنون 23]... ويشكو نوح إلى ربه جحود قومه وسخريتهم منه ويبثه ما خلص إليه الرأي عنده بشأنهم "قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا. ومكروا مكرا كبارا. وقالوا لا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا. وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا." [نوح 21-24]... ومن أجل إصرارهم على التمسك بعبادة أوثانهم ومخالفتهم للرسول المبعوث إليهم.. استجاب الله لدعاء نبيه... فكان العقاب الذي لحقهم في الدنيا وما آل إليه أمرهم في الآخرة "مما خطيئتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا". [نوح 25]
• وبتتابع الزمن.. كان الأمر ذاته قد وقع مع عاد قوم هود "والى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره إن أنتم إلا مفترون".. فكان ردهم الذي جر عليهم غضب الله ونقمته: "قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين"... وكان العقاب عاقبة الطغاة المسرفين ومن تبعهم في غيهم العالين: "وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد. وأُتْــبِعُوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألاَ إن عادا كفروا ربهم ألاَ بعدا لعاد قوم هود". [هود 50-53-59/60]
• وكذلك كان شأن صالح بعد ذلك مع قومه ثمود الذين دعاهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان: "والى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب. قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبده آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب" [هود 61/62]... جحدت ثمود بآيات ربها وكذبت هي الأخرى رسوله، فلحقت بها في الدنيا بذنبها وكفرها اللعنة وتبعتها يوم القيامة. واندثرت، وزالت إلى الأبد من الوجود ثمود.
• والى مدين أرسل شعيب يدعو إلى الإيمان بالله والإصلاح والعدل، فآمنت طائفة منهم به، تعرضوا للأذى والملاحقة من الذين استكبروا (" وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون. فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين. الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا الخاسرين". [الأعراف 90-92]
• وكان التوجه إلى طريق الإيمان وسلوك دروبه عند إبراهيم، العزوف عن عبادة الأصنام التي كانت منتشرة عند قومه وتمارس من قبل أبيه. تلك التماثيل الصماء الجامدة المنحوتة من الحجر... التي أدرك أن لا قدرة لها على فعل شيء, وليس لها في حياة البشر من تأثير: وليس لها من شأن. واتجه إلى الكون، وجال فيه ببصره وفكره متأملا مستغرقا متطلعا إلى الإدراك ومعرفة مصدر الوجود.... وعندما حل الليل وانتشر سواده رأى كوكبا بهره بريقه ولمعانه فخطر بباله أنه الله وقال هذا ربي،... لكن الكوكب ما لبث أن غاب واختفى، فأدرك أنه ليس رب الكون الدائم الوجود الذي لا يختفي ولا يزول... ثم رأى القمر في علوه وشمول نوره وتألقه عند كماله، فظن أنه ربه،. لكنه أيضا ما لبث أن اختفى،,,, فتطلع إلى هداية ربه والاستعانة به ليكشف ما هو فيه من الحيرة وتداخل الظنون. وانتقل إلى الشمس التي تفوق القمر حجما ونورا لعلها تكون الرب الذي يبحث عنه،... لكن الشمس أيضا سادها الظلام ليلا وغابت... وعندها كانت الهداية إلى اليقين والتوجه للخالق الذي فطر السماوات والأرض الذي لا شريك له في الملك رب العالمين: "كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين". [الأنعام 75 وأنظر الآيات 76-79]
• وينشغل إبراهيم بقضية الإيمان، التي استدل عليها بالتأمل وترسخت عنده بالهداية، فيتطلع إلى الاطمئنان الذي لن يتحقق إدراكه بالنظر، لكنه يتأكد بالإطلاع على القدرة المطلقة بالفعل. فنجده يتوجه إلى الله سبحانه بالطلب: "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم". [البقرة 260]
• إبراهيم عليه السلام الرسول المكلف بالدعوة إلى الإيمان الذي يسر الله له سلوك سبيل المعرفة والتأمل في ملكوت السماوات والأرض واختصه بالكشف عن جانب من قدرته المطلقة في خلقه. المدعم بيقين الإيمان،... يحاجج في الإيمان، ويحاور ملك القوم وكبيرهم... "ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأْت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين" [البقرة 258]... هذا الذي أتاه الله الملك وحاج إبراهيم في ربه قيل أنه من ملوك الكلدانيين البابليين وجاء في كتب التفسير أن اسمه النمرود وذكر له نسب. [أنظر تفسير أبن كثير (الإختصار) ج1 ص 222]
• وهذا إبراهيم الذي أتاه الله الرشاد، وجاءه من العلم والإيمان ما لم يأت أحد من قومه. يدعو أباه للهداية وسلوك الطريق السوي، مشفقا عليه خائفا من أن يمسه العذاب، فلم يكن جواب أبيه إلا أن: "قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا". [مريم 42]
• وتتكرر دعوة إبراهيم لقومه وأبيه للتخلي عما ألفوه من عبادة للآلهة الأوثان، وعندما يرى عدم الاستجابة ويجد منهم عدم القبول يتحول بمسار دعوته إلى التدليل العملي والتأكيد على عدم قدرتها على الفعل وأنها ليست مصدر ضرر أو نفع: "ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين. إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون. قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين. قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين. قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين. قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين. وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين". [الأنبياء 51 -57]
• حطم إبراهيم الأصنام أثناء غياب القوم وترك كبيرها للعظة والتنبيه، وجيء به على مشهد من الناس: "قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم. قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون. فرجعوا أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون. ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم. أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون" [الأنبياء 62-67]... وتعرض إبراهيم بسبب هذا الموقف إلى نقمة قومه الذين أجمعوا على حرقه جزاء ما فعله بآلهتهم. ولم يتخل الله عن رسوله ونبيه وأبطل كيد القوم الضالين.
• ثم كانت مغادرته إلي الأرض التي باركها الله. ومنها إلى مكة حيث رفع وإسماعيل القواعد من البيت المبارك هدى العالمين، أول بيت وضع لعبادة الله للناس كافة المسجد الحرام، البيت العتيق. وكان دعاء إبراهيم لله يرجو الأمن للبلد الأمين وأن يجنب بنيه عبادة الأصنام. وقد جعل من إقامة الصلاة لذويه ممن أسكنهم عند البيت المحرم الغاية والقصد: "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام. رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ومن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم. ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" [إبراهيم 35 - 37]
• خلف إبراهيم إسماعيل وإسحاق. وكان إسماعيل وأمه هاجر من الذرية التي سكنت الوادي المقفر عند البيت الحرام. وتزوج إسماعيل من الجرهميين القحطانيين. ومن نسله كانت قريش. واليه ينتسب الرسول (ص).
يتبع.....
سالم قنيبر
بنغازي - 27 أغسطس 2016
* راجع الحلقات بـ (ارشيف الكاتب)