في هذه المقالة النقدية لمسودة الدستور الاخيرة سأحاول التعليق بشكل اكاديمي علي الباب الثالث المتعلق بالنظام السياسي... في الحقيقة هناك الكثير والكثير جدا من المثالب والاخطاء الجسيمة الموجودة في المسودة والتي سيكون لها اثار سلبية كبيرة علي جوانب مختلفة سياسية واقتصادية واجماعية... من الصعب جدا تبيان كل تلك المثالب والاخطاء الجسيمة التي ستلحق ضررا كبيرا علي جوانب مختلفة علي حياة الليبيين في مقالة صغيرة كهذه ولكن نتيجة كثرة تلك المثالب قررت ان اغطي اهمها في مقالات منفصلة تركز جلها علي الباب الثالث والرابع... في هذه الورقة سأركز علي ما هو النظام السياسي الذي يجب تبنيه في ليبيا ولماذا... كمتخصص في السياسات المقارنة والنظم السياسية سأحاول ان اصبغ الطابع الاكاديمي لايضاح مكامن الضعف في هذه المسودة وخطورتها علي بناء نظام ديمقراطي مستقر وتعزيز فرص نجاح التحول الديمقراطي وتعزيز فرص فشله وتعزيز او تقليص الصراع السياسي وتعزيز او تقليص فرص اندلاع الحروب الاهلية من جديد:
الجانب الاول: ماهية النظام السياسي وما هو النظام السياسي الذي يتماشي مع ليبيا ويعزز استقرارها ويعزز فرص نجاح التحول الديمقراطي ويقود الي نظام سياسي مستقر ويقلل من احتمالية اندلاع حروب اهلية من جديد في ليبيا... من خلال اطلاعي علي مسودة الدستور يبدو واضحا ان المسودة تبنت النظام المختلط حيث قسمت المسودة السلطة التنفيذية الي جسمين تنفيذيين هما رئيس منتخب بشكل مباشر من الشعب ورئيس وزراء معين من قبل رئيس الجمهورية... في الجانب الاخر المتعلق بالجسم التشريعي تبنت المسودة مجلسين تشريعيين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ.... بعيدا عن الخوض في تفاصيل اختصاص كل هذه الاجسام التنفيذية والتشريعية وتضارب الاختصاصات في كثير من الاحيان وفقا لما جاد في المسودة الا ان السؤال المهم هو ما هي مخاطر تبني النظام المختلط علي استقرار النظام السياسي وعلي فرص تعزيز نجاح واخفاق التحول الديمقراطي والقضاء علي الجهوية والمركزية وتقليص فرص اندلاع الحروب الاهلية من جديد ؟ في الحقيقة كأكاديمي متخصص في السياسيات المقارنة وتصميم بناء النظم السياسية والتحول الديمقراطي استطيع ان اقول ان جل الدراسات السياسية في الولايات المتحدة الامريكية تشير بشكل واضح الي ان تبني النظام الرئاسي او النظام المختلط يعزز فرص الرجوع الي النظام الديكتاتوري فالدراسات السياسية الحديثة اثبتت ان الدول التي خرجت من ثورات وحروب اهلية تعود الي المربع الاول وهو مربع الديكتاتورية في حال تم تبني النظام الرئاسي او النظام المختلط.... من جانب اخر اثبتت الدراسات السياسية الحديثة المبنية علي الاخصاءات العلمية ان نسبة 79٪ من الدول التي خرجت من ثورات وحروب اهلية واسقطتت انظمة ديكتاتورية ذات طابع عسكري نجحت في التحول الديمقراطي بعد تبنيها للنظام البرلماني اي ان نسبة فرص الاستقرار السياسي واستقرار النظام السياسي وفرص نجاح التحول الديمقراطي تتعزز بتبني النظام البرلماني بينما فرص نجاح التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي واستقرار النظام السياسي تتقلص بنسبة 79٪ في حال تم تبني النظام الرئاسي او النظام المختلط.... ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا وكيف... في الحقيقة ان النظام الرئاسي او النظام المختلط يتسمان بما يسمي بلا مركزية السلطة وهنا القصدان هنا جسمين شرعيين يستمدان سلطتهما من الشعب مباشرة وهذين الجسمين هما مؤسسة الرئاسة والمؤسسة التشريعية... في الدول التي هي في طور بناء المؤسسات الديمقراطية وفي طور التحول الديمقراطي كثيرا ما يحدث تضارب في الاختصاصات بين المؤسستين فكلا المؤسستين يدعيان الشرعية لان كليهما منتخب من الشعب مباشرة وفي حال انسداد الافق او الوصول الي نقطة حدية في الصراع السياسي بين الجسمين وهو امر ذا احتمالية عالية خصوصا في الدول التي لم تترسخ فيها معالم وقيم النظام الديمقراطي... في مثل هذه الظروف يصبح ايجاد حل سياسي سلمي وفق الية ديمقراطية سليمة امر صعب بسبب عدم ترسخ القيم الديمقراطية والممارسة الديمقراطية وحداثة التجربة... ففي اغلب الاحيان تقوم مؤسسة الرئاسة والرئيس بالاستيلاء علي السلطة والغاء المؤسسة التشريعية والعودة تدريجيا او بشكل سريع نحو حكم الفرد والعودة الي المربع الاول وهو النظام الديكتاتوري او استيلاء المؤسسة العسكرية علي السلطة وعودة حكم العسكر من جديد كما حدث في مصر بعد فشل النظام المختلط في مصر في ايجاد الية لتسوية الازمات السياسية والاقتصادية الحادة في مصر مما دفع العسكر الي الاستيلاد علي السلطة من جديد... وقد اشارة المسودة بشكل واضح الي اعطاء رئيس الجمهورية حق الغاء المجالس التشريعية والدعوة الي انتخابات جديدة وهو امر خطير ويشكل تهديدا حقيقيا علي مستقبل العملية الديمقراطية والتحول الديمقراطي والاستقرار السياسي واستقرار النظام السياسي بل ايظا تعزز احتماتلية وقوع حرب اهلية جديدة..... في المقابل النظام البرلماني يعالج كل المشاكل السابقة بشكل سهل وجيد وبدون ان يهدد عملية التحول الديمقراطي او الاستقرار السياسي او استقرار النظام السياسي او تعزيز فحتمالية اندلاع حروب اهلية جديدة... النظام البرلماني يوصف بأنه يتصف بوحدة السلطة التشريعية والتنفيذية حيث يوجد جسم واحد منتخب من الشعب مباشرة وهو مجلس النواب وهذا الجسم التشريعي يقوم بأنتخاب رئيس للوزراء واعطاء الثقة للحكومة ونزعها منها متى يشاء... ففي حالة وجود ازمة سياسية او اقتصادية حادة داخل البرلمان يمكن اعادة تشكيل الحكومة من جديد وفقا لتحالافات حزبية جديدة وفتح المجال امام الاحزاب السياسية للتنافس واخذ الفرص للمشاركة في تشكيل الحكومة وفي حال فشل البرلمان في ايجاد تسوية للازمةالسياسية او الاقتصادية الحادة النظام البرلماني ايضا يجد الية لحل هذه المشكلة وهي بالدعوة الي انتخابات برلمانية مبكرة وتأجيل الازمة السياسية او الاقتصادية الي البرلمان الجديد وبذالك يمكن المحافظة علي استقرار النظام السياسي وضمان فرص التطور الديمقراطي وعدم العودة الي مربع الدكتاتورية من جديد وتخفيض فرص اندلاع الحروب الاهلية من جديد... احد الخصائص السلبي الاخري التي تؤخذ علي النظام الرئاسي او النظام المختلط والتي تقود لا محالة الي انسداد الافق السياسي وتعزيز الصراع السياسي ورفع احتمالية عدم استقرار النظام السياسي وتعزيز فرص فشل التحول الديمقراطي وتعزيز الصراع الاهلي من جديد هي الاختلاف الحزبي عندما تسيطر احزاب سياسية مختلفة علي مؤسسة الرئاسة والمجالس التشريعية مما يقود الي التضارب في المصالح السياسية وتعزيز الصراع السياسي الذي ينتج عدم استقرار النظام السياسي... فسيطرة احزاب مختلفة علي الاجسام التشريعية والتنفيذية المنتخبة مباشرة من قبل الشعب يقود الي حدية في الصراع السياسي بي المؤسسة التشريعية ومؤسسة الرئاسة وهذا يقود في النهاية الي سيطرة مؤسسة الرئاسة والعودة الي مربع الديكتاورية وحكم الفرد... من جانب اخر النظام البرلماني يحتوي علي الية لحلحلة مثل هذه المشاكل... ففي حال عدم وجود اغلبية واضحة لحزب سياسي معين في البرلمان يأخذ علي عاتقه تشكيل الحكومة يتم الاتجاه نحو تحالف حزبين او تكتل احزاب لتكوين اغلبية داخل البرلمان لتشكيل الحكومة... وبذالك يتم المحافظة علي استقرار النظام السياسي وتعزيزفرص نجاح التحول الديمقراطي وتقنين الصراع السياسي وترسيخ قيم الديمقراطية والعمل الحزبي الديمقراطي بين القوي السياسية المختلفة داخل قبة البرلمان الامر الذي ينعكس بشكل ايجابي علي مخرجات العمل السياسي وتعزيز فرص التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي واستقرار النظام السياسي وتقليل فرص اندلاع الحروب الاهلية من جديد.
في تصوري ان لجنة اعداد الدستور اخطأت خطأ كبيرا بتبني النظام المختلط لان ذالك سيقود لامحالة الي حالة من عدم الاستقرار السياسي واستقرار النظام السياسي وتعزيز فشل التحول الديمقراطي وتقليل فرص نجاح التحول الديمقراطي والعودة لامحالة الي مربع الديكتاتورية او استيلاء المؤسسة العسكرية علي السلطة وعودة حكم العسكر من جديد كما حدث في مصر بعد فشل النظام المختلط في مصر في ايجاد الية لتسوية الازمات السياسية والاقتصادية الحادة في مصر مما دفع العسكر الي الاستيلاد علي السلطة من جديد... ومن هنا انصح بتبني النظام البرلماني... من الواضح ان هناك دوافع مختلفة دفعت بأعضاء لجنة الدستور الي صياغة هذه المسودة بصيغتها الحالية هذه الدوافع ارتكنت في تصوري الي عدة مرتكزات اهما: دعوة بعض الاطراف الي تعزيز المركزية او محاولة الابقاء علي سمات الدولة المركزية... من جانب اخر محاولة بعض الاطراف الاخري خلق نظام لامركزي او توزيع السلطة بشكل افقي... من جانب اخر محاولة مجموعات اخري دفع الدولة الي تبني النظام التوفقي او نظام ديمقراطية التوافق... ان شاء الله سأتحدث عن الصراع السياسي ودوافعه داخل لجنة الستين وكيفية تصويب المشهد اكادميا بما يخدم مصلحة الشعب الليبي في المقالات القادمة... ان شاد الله سأتحدث عن هياكل المؤسسات السايسية والدوافع السياسية التي كانت وراء تبني هذا الشكل المؤسسي المشوه وكيفية تصويب المشهد... حمي الله الوطن.
ابراهيم هيبة