اهدي هذه الحلقات لاجيال ليبيا المستقبل...
مقدمة:
قبل اندلاع معركة حرق مطار طرابلس في رمضان 2014 باسابيع، علق احد اقاربي حول مدى اهتمام العالم بليبيا بالشيئ المضحك جدا... قال قريبي ان عدا بعض الامتيازات البترولية لا يوجد في ليبيا شئ اخر يغري بالسيطرة عليها مقابل التكاليف الباهضة جدا لذلك... هل كان محقا في هذه النقطة؟
هذه النقطة بالذات استحضرتني مع اصرار جميع المتحدثين بأسم الشعب الليبي ان يدولوا الازمة الداخلية لتضيع اوراقها بين اروقة ممرات وزارات خارجية عشرات الدول من موسكو مرورا بالقاهرة وروما وانجمينا ووصولا لواشنطن! البعض يتهم حكومة الوفاق وشركة ايني بالتامر على قطاعنا النفطي والاخر يتهم قطر وفرنسا وامريكا بالتامر للسيطرة على امدادات الغاز لاوروبا مقابل انهيار الدينار والمستوى المعيشي بشكل تاريخي... الم تكن لهم كل الامتيازات البترولية في عهد القذافي؟! نعود للسؤال الجوهري هل السيطرة على موارد ليبيا اليوم مغرية مقابل التكاليف الباهضة لذلك؟ هل كانت فعلا فكرة جيدة استعمار ليبيا في الماضي؟ ربما نحتاج الى استذكار مستعمرينا واثارهم على ارضنا لليوم.
سأحاول البحث عن الإجابة عبر كتاب نشر عام 1990 من جامعة كاليفورنيا بعنوان "بالبو: حياة فاشستية" او "Balb: A Fascist Life" لمؤلفه البروفيسور الراحل كلاوديو سيرجي - المتخصص في التاريخ الاوروبي في جامعة تكساس. يتتبع هذا الكتاب سيرة حاكم ليبيا (1934-1940) المارشال ايتالو بالبو منذ ولادته عام 1896 في مقاطعة فيرارا شمال ايطاليا وصعود نجمه كجندي ومحارب وقيادته مسيرة القمصان السوداء نحو روما واقترابه من الدوتشي موسوليني ولعه برحلات الطيران عبر الاطلسي مع منصبه كوزير للطيران وحتي مقتله مع اسرته ومرافقيه في حادث اسقاط طائرته بالمضادات الارضية الايطالية فوق سماء بلدة طبرق في صيف 1940 مع اشتداد لهيب الحرب العالمية الثانية وذلك بعد ست سنوات من حكم ليبيا.
يعتبر هذا الكتاب من اهم الكتب التي خصصت اقسام مهمة لتجربة المارشال بالبو في ليبيا التي لم تتعد الست سنوات لكن من المفارقات ان اثارها الملموسة في مدننا وذاكرتنا الجماعية باقية لحد يومنا هذا... وساترك للقارئ الكريم ملاحظة بعض مراحل حياة الراحل بالبو وربما تقمص بعض من حكم بعده بعض ملامح شخصيته من جهة والانتقام من تركته في نفس الوقت!.. لن أشرح اكثر احتراما لفطنة القرّاء الكرام.
ينقسم الكتاب لثلاث اجزاء...الجزء الثالث يغطي تجربته الليبية منذ تعين الدوتشي موسوليني للمارشال الطيار بالبو حاكما عاما او ما كانت تعرف بالشاطئ الرابع للامبراطورية الفاشيستية. في ترجمتي لهذا الجزء من الكتاب سأتعمد ايصال مشاعر مؤلف الكتاب بتصرف حيث لا يخفي البروفيسور الراحل كلاوديو سيرجي اعجابه الشديد بالمارشال بشكل قد يلقي بضلاله على حياده من تلك الحقبة الشبه مجهوله للكثير من اجيال اليوم التي تعاني كل هذا الدجل التاريخي منذ الاستقلال لحد مرحلة الحروب (شبه اهلية - شبه دولية) على اراضيهم منذ شتاء 2011 لليوم.
سيغطي الكتاب ايضا الذكرى الثمانين لزيارة الدوتشي لليبيا في ربيع 1937 بدء من بنغازي وافتتاح اول طريق معبدة تربط المدينة بشقيقتها طرابلس ومراسم تسليم "سيف الاسلام" للدوتشي في حفل مهيب تحت ظلال السرايا الحمراء وحضور مفتي الديار الطرابلسية ولفيف من شيوخ وعلماء الامة احتفالا بالقائد موسوليني حامي ديار الاسلام وابناءها المخلصين للوطن الام وملكها امنويل المحبوب.
يصور الكتاب ايضا تحول طرابلس من مرفأ صيد تركي مترب الى ما وصفه صحفي امريكي عام 1937 بمدينة اجمل من نيس الفرنسية ومضاهاتها لسان دييجو كاليفورنيا مع وقع سباقات الجراند بريكس بين فرق الالفاروميو والمرسيدس حول منطقة الملاحة مع حضور عشرات الالاف من المشاهدين الليبيين والاوروبيين.
لن اطيل اكثر واتمنى ان تنال هذه الترجمة بعض المساهمة في اماطة اللثام حول تاريخ بلادنا القريب المشوش جدا... وربما تعطينا بعض الامل في اعادة احياء الشاطئ الرابع سابقا ليكون شاطئ سلام ومحبة بين ابناء وبنات ليبيا وجسرمحبة مع العالم لو تصالحنا مع انفسنا اولا قبل ان تصبح ليبيا في خبر كان... لنبحث بين السطورعن الاجابة في الحلقات الـ 12 القادمة...وقراءة ممتعة للجميع!
غسان عتيقة
نيويورك، 14 ابريل 2017
* معلومات عن الكتاب (الرابط)